صلاح حسن
في قاعة غاليري «بولخي»، وهي إحدى أهم القاعات في مدينة لاهاي العاصمة السياسية لهولندا، افتتح هذا الشهر معرض مشترك للفنانين العراقيين حسن عبود وفاضل نعمة، وكان مقرراً أن يشترك إلى جانبهما الفنانان فاخر محمد وعاصم الأمير لكن الأخيرين لم يستطيعا الحصول على فيزا للحضور والمشاركة في هذا المعرض.
حسن عبود هو أحد أعضاء «جماعة الأربعة» التي تأسست في مطلع الثمانينات في بغداد من قبل فاخر محمد وعاصم الأمير وحسن عبود والفقيد محمد صبري الذي توفي في وقت مبكر في عمان حيث تفرقت المجموعة بعد الحرب العراقية – الإيرانية. وكان عبود وصل إلى هولندا طلباً للجوء، فيما بقي فاخر محمد وعاصم الأمير في بغداد وأكملا دراستهما العليا حيث يعمل الأول عميدا لكلية الفنون الجميلة في بابل ويعمل الثاني أستاذاً فيها.
كان هاجس حسن عبود وما يزال يتمثل في إقامة حوار على درجة من السحر للدخول إلى الحياة، هذا الحوار الذي يمتلك علاقات ذات صلة مشتركة مع الوجود ومؤثراته المحيطة. وهناك حالات تنمو في عمق الزمن تحتل مساحة أكبر على سطح ذي ملمس ناعم هو اللوحة ذات قيمة أساسية للفنان. ولغرض احتوائها يحاول الفنان أن يجسدها في أشكال وملامح فنية. عبود يتعامل مع ما يحيط به ضمن جدلية الحوار الأزلي بين المرأة كمخلوق غض وجميل يمارس سلطة على جمالية العمل الفني، لكن هذه السلطة الجمالية غير المباشرة، أي حضور المرأة الطاغي، لا توجد كشكل ظاهري بل هي مكرسة في أعماله كلها.
في أحيان أخرى تتشظى انفعالات عبود فيحاول التعامل مع السطح التصويري للوحة بحس انفعالي وتعبيري بشكل يوازي القدرة الموضوعية للعمل الفني، سواء كان ذلك عملاً كرافيكياً أو زيتياً أو أية خامة أخرى. وهناك خصوصية للخامة التي يعمل عليها، وبما أنه فنان كرافيك بالأساس فإنه يتعامل مع الخامات الأولية بحسية لونية فوق العادة في معالجة السطح وظلال الكتل والخطوط وملمس المادة اللونية. وأقام عبود عشرات المعارض في العالم العربي وأوروبا وهو مقيم في هولندا منذ سنوات طويلة.
أما فاضل نعمة فقدم في هذا المعرض لوحات من تقنيات الكرافيك والزيت، وهو فنان ينقلب على ذاته في كل معرض جديد يقيمه ولا يستقر على أسلوب معين لأنه يريد للحكاية أن تكون جديدة كل مرة.
«تعالج أعمال فاضل نعمة الجديدة فكرة الموت بطرق مختلفة وبتقنيات كثيرة»
كل يوم يذهب إلى مرسمه لا يشغله شاغل غيره ولا توجد مسافة بينه وبين عمله. لم يذهب يوما إلا وأنتج عملا ما، يساعده في ذلك تفرغه التام له وتعدد أدواته والتقنيات التي اشتغل عليها من رسم وكرافيك وأعمال بتقنيات ومواد مختلفة.
لديه مخزون لا ينتهي من صور وأشكال وحياة مليئة ومواقف لا تنسى، فقد عاش حروباً ومآسي كثيرة تطارده حتى في أحلامه. عاش النكبات والحروب والهروب وزمن القسوة والخوف والجوع والألم. عاشها واقعا والآن يعيشها أحلاما والفن بالنسبة له علاج سيكولوجي لأنه يؤمن بقول فان غوخ «الفن يواسي من خذلتهم الحياة». إنه فنان ملول لهذا يتنقل من عمل لآخر بتقنيات ومعالجات متعددة كي لا يقع في التكرار. أدواته اللون والشكل والحرف والرقم ومواد مستهلكة ومتنوعة من ورق وقماش ومواد صلبة وبقايا إعلانات وكتابات يجمعها كلها في لوحة واحدة لتكون قصة مصورة. إنه رسام وحفار يتنقل بين تقنياته بسهولة ويحول الأشكال والمواد والصور إلى صور ذهنية قبل أن يقوم بتنفيذها على القماش أو الخشب مع أنه لا يخطط لعمله قبل أن يبدأ في تنفيذه ولا يعرف كيف سينتج هذا العمل في النهاية، شيء يشبه السحر يقوده إلى ذلك، وفجأة يكتمل العمل بطريقة مذهلة.
تعالج أعمال فاضل نعمة الجديدة فكرة الموت بطرق مختلفة وبتقنيات كثيرة سواء في الكرافيك أو الزيت على الكانفاس وبحرية كاملة، فتارة نراه يستخدم الأرقام وتارة الحروف وقطع الإعلانات والأوراق الملونة في لوحة واحدة لا تغيب عنها بطبيعة الحال قطعة سلاح أو جمجمة فارغة أو ختم غريب باللون الأحمر الذي يمثل السلطة في كثير من الأحيان. فاضل نعمة فنان مجتهد وقد أقام الكثير من المعارض داخل هولندا وخارجها.