«جنود وجواسيس»
الصباح الجديد ـ وكالات:
كشف تقرير لمجلة «فاينانشل تايمز» كيف اعتمد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، على «الجنود والجواسيس» بدلاً من الدبلوماسية، في علاقاته بالدول، وتسيير شؤون البلاد الداخلية.
وأتى التقرير مع تعهدات عبر عنها الرئيس التركي مؤخرا بتغيير السياسة الخارجية وتحسين العلاقات مع دول الغرب، بالأخص اليونان، التي تعارض تنقيب أنقرة عن الغاز في البحر المتوسط.
ولفتت الصحيفة إلى أن إردوغان «نادرًا ما يُرى دون رئيس المخابرات هاكان فيدان ووزير الدفاع خلوصي أكار إلى جانبه».
التدخل في شؤون الدول
لإردوغان علاقة مضطربة مع الاتحاد الأوروبي، بسبب طموحاته الجيوسياسية، كما أن له تدخلات في أفريقيا وبعض أطراف أوروبا.
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، شن الرئيس التركي توغلات عسكرية في سوريا وشمال العراق، وأرسل قوات إلى ليبيا وشارك في مواجهات بحرية مع اليونان، وهي تدخلات أثارت غضب حلفاء تركيا في الناتو، وأعادت إشعال الخصومات القديمة وولدت أعداء جدد.
وكان قرار إردوغان بإلقاء كل ثقله خلف أذربيجان حتى عندما دعت القوى الغربية إلى وقف إطلاق النار بعد اندلاع القتال الجديد في ناغورنو قره باغ، الخريف الماضي، هو أحدث مظهر من مظاهر سياسته الخارجية، والذي تميز بالاستعمال الجاهز للقوة .
لطالما سعى الرئيس التركي، البالغ من العمر 66 عامًا، والذي وصل حزبه إلى السلطة في عام 2002، إلى تصوير نفسه على أنه صاحب رؤية «تجعل تركيا عظيمة مرة أخرى» في الداخل والخارج.
لكن محللين يقولون إن محاولة الانقلاب التي قامت بها فصائل عسكرية، في عام 2016، شكلت قطيعة في تعامل تركيا مع بقية العالم.
لقد أصبح إردوغان أكثر قربا من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وأجبرته على تشكيل تحالفات سياسية جديدة في الداخل، ومكنته من تولي سيطرة غير مسبوقة على الدولة.
وفي خطاب ألقاه بعد ثلاثة أشهر من محاولة الانقلاب، قال إردوغان إن البلاد لن تنتظر بعد الآن المشاكل أو الخصوم «ليطرقوا بابنا».
وأضاف قائلا إن تركيا بدلاً من ذلك «ستذهب وتجدهم أينما وجدوا وطنهم وتنزل عليهم بشدة».
اللعب على وتر الدين
في بعض الأحيان، يلعب إردوغان دور قاعدته الدينية المحافظة من خلال تصوير نفسه كزعيم للعالم الإسلامي، ولكنه يعتمد أيضًا بشكل كبير على الصور واللغة القومية.
وتنطوي هذه الاستراتيجية الخارجية على مخاطر كبيرة، سواء بالنسبة للاقتصاد أو العلاقات مع القوى الإقليمية والعالمية، وفقا للتقرير، الذي ذكر مثالا على ذلك تراجع شركة تصنيع السيارات الألمانية «فوغس فاغن» عن إنشاء مصنع بعد الانتقادات الدولية للاعتداء التركي على القوات الكردية في سوريا عام 2019.
فبينما كان المبدأ التوجيهي للسياسة الخارجية التركية قبل 10 سنوات، هو «صفر مشاكل مع الجيران»، يمزح المحللون الأتراك الآن بأن الشعار الجديد هو «صفر جيران بلا مشاكل»، وفقا للتقرير.
الدولة العثمانية «الجديدة»
ويصف منتقدو سياسة إردوغان الخارجية بأنها «عثمانية جديدة»، في إشارة إلى الإمبراطورية التي امتدت إلى جنوب أوروبا وغرب آسيا وشمال أفريقيا.
لكن الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين، سينم أدار، قال للصحيفة «لا أعتقد أن تركيا كانت منعزلة إلى هذا الحد في تاريخها» ثم تابع «هناك جبهة آخذة في الاتساع من الدول التي تتصدى لتركيا».
ترويج فكرة الخطر الداهم
سمحت محاولة الانقلاب عام 2016، والتطهير الذي أعقبها، لإردوغان بالسيطرة بشكل أكبر على القوات المسلحة.
كما قام بتشكيل تحالف انتخابي مع الحزب القومي المتطرف «MHP»، معتمداً على نظرته اليمينية المتشددة بشأن الأمن القومي، وخاصة الانفصالية الكردية.
إيفرين بالتا، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أوزيجين في إسطنبول، قال إن «كلا من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية يتشاركان في فكرة بأن تركيا تتعرض للهجوم من الداخل والخارج».
تقزيم دور الدبلوماسية
أدى النظام الرئاسي إلى إضعاف دور وزارة الخارجية التركية في البلاد، والتي كانت تقليديًا موطنًا لرجال الأعمال الذين رأوا ضرورة التوجه الطبيعي لتركيا نحو الغرب.
وبينما انتقد حزب الشعب الجمهوري، الذي أسسه الأب المؤسس لتركيا، مصطفى كمال أتاتورك، والذي كان شعاره «السلام في الوطن، السلام في العالم» اللغة غير الدبلوماسية لإردوغان، بدا الحزب مترددًا في الخروج ضد السياسات التي أثبتت شعبيتها لدى الجمهور.
نتائج عكسية
عندما تلاشت آمال تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وسط انعدام الثقة واتهامات بسوء النية من الجانبين، التفت إردوغان لبناء علاقات أقوى مع جيرانه العرب.
لكن سياسته أثمرت نتائج عكسية حيث اجتاحت الانتفاضات الشعبية المنطقة، وامتدت الحرب السورية إلى تركيا في شكل هجمات إرهابية ووصول ملايين اللاجئين، وفقا للتقرير.
بينما دفعت العمليات العسكرية التركية في سوريا وليبيا ودعمها لجماعة الإخوان المسلمين، أنقرة ضد تحالف عربي قوي بقيادة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، على حد تعبير الصحيفة.
وبسبب تلك السياسات، أصبحت أوروبا تشعر باليأس من تراجع حقوق الإنسان في بلد لا يزال من الناحية الفنية مرشحًا للانضمام إلى الكتلة.
كما أن واشنطن غاضبة من قرار إردوغان شراء نظام دفاع جوي من طراز S-400 من روسيا، والذي أدى الشهر الماضي إلى فرض عقوبات أميركية «طال انتظارها» وفق تعبير «فاينانشيل تايمز».
كما أن علاقة إردوغان مع بوتين معقدة وغالبًا ما تكون مشحونة، كما يتضح عندما قتل 34 جنديًا تركيًا في سوريا العام الماضي في هجوم ألقت الولايات المتحدة باللوم فيه على موسكو.