لماذا لايستقر العراق.. 6 – 7

فوزي عبد الرحيم السعداوي

لماذا لايستقر العراق..     6

وصل حزب البعث للسلطة ب (ثورة بيضاء) ومن دون قطرة دم واحدة واتجهوا فورا لبناء سلطتهم بداب وحسب خطط جاهزة تميزت بالهدوء والتدرج مستفيدين من تجربة ٨ شباط ٦٣ حيث القمع اصبح يشبه العمليات الجراحية وفي نطاق ضيق فتعززت سلطتهم في وقت قصير وهكذا عندما حدثت محاولة انقلابية لاسقاط الحكم في العام ١٩٧٠ هي الاخطر طيلة ٣٥ سنه من حكم البعث تعامل معها النظام بهدوء واحتراف عالي حين نصب لهم فخا في القصر الجمهوري في اللحظات التي اعتقد الانقلابيون انهم على وشك تسلم السلطة…لقد ذكرنا بالتفصيل المصائب التي جلبها البعث للبلاد والحروب التي دخلها والعواقب لكل ذلك والان وبعد هذا الاستعراض المطول يجب الاجابة على السؤال …لماذا لايستقر العراق؟ ان التدخل الاجنبي هو اساس مشكلات العراق بالدرجة الاولى ،وهو تدخل سببه النفط بلا شك حيث تم اسقاط كل سلطة تعاملت مع الملف بطريقة تضر بمصالح الغرب ففي لقطة ذات دلالة وفي المفاوضات المباشرة مع شركات النفط وكانت تذاع على الهواء حيث وفد الشركات من جهة والوفد العراقى برئاسة الزعيم قاسم محاطا بافضل الكفاءات العراقية وعلى راسهم محمد حديد ،قال ممثل الشركات لقاسم اذا لم ننجح في التفاوض معكم فسنفعل مع من يخلفكم…كان الامر واضحا …تهديد باسقاط النظام اذا لم تجرى المفاوضات كما يجب…التقط الزعيم قاسم راس الخيط واجاب بدون تردد…ان الصراع بيننا وبينكم لن ينتهي بذهاب حاكم ومجيء آخر…

ان عدم استقرار العراق للفترة من تموز ٥٨ الى عودة البعث ٦٨ كان بسبب النفط وتدخلات القوى الغربية في الملف وبضمن ذلك احداث كركوك الدموية واحداث الموصل الابشع وحركة الشواف وانقلاب ٨ شباط..في الوقت نفسه فان فترات الاستقرار والازدهار التي عاشها العراق في العهد الملكي هي ايضا بسبب القوى الغربية التي كانت مصالحها مؤمنة…

مع وصول البعث للسلطة في ١٩٦٨ بترتيبات مع الدوائر الغربية فقد تم تامين الاستقرار للنظام باشكال متعددة منها اتفاق آذار مع الاكراد وهزيمة الحركة الكردية في العام ٧٤ بعد اتفاقية الجزائر بخلاف موقف البارزاني من عبد الكريم قاسم حين اعلن التمرد المسلح في الوقت الذي كان قاسم يخوض معركة شرسة مع شركات النفط اضافة الى موضوع الكويت

لماذا لايستقر العراق..      7

لقد مر العراق ايام البعث بمراحل استقرار وازدهار هي في رايي تعود لتوافق سياسات البعث مع المصالح الغربية حيث اني انطلق مما اعتبره حقيقة وهي ان صدام والبعث جاءوا للسلطة بترتيب من الدوائر المخابراتية الغربية وان الولايات المتحدة وبريطانيا مسؤولة اخلاقيا عن كل جرائم صدام لانه صنيعتهم الذي يجوز انه تمرد عليهم في تفسير لمواقفه اللاحقة المعادية للغرب …برغم ان شن حرب على ايران غزو الكويت قد يدرجها البعض ضمن العوامل الداخلية التي تعبر عن سوء ادارة وتصرف الحاكم لان هذا الحاكم قام بما قام به بناءا على دفع ونصائح القوى الغربية لذلك اصنف ذاك ضمن التدخلات الاجنبية…لقد كان تأسيس الدولة العراقية قد تم بناء على النظرة والفهم والمصالح البريطانية وهو امر بدا واضحا في مفاصل عديدة وبالطبع لم يكن لهذا ترتيب ان ينجح ويستمر لانه يتعارض مع حقائق الحياة واذ يتم تجاهل هذه الحقائق فانها تتفجر بين الحين والاخر باشكال متعددة والا كيف نفسر انه مع وجود البريطانيين المادي والسياسي

وسيطرة رجالها على كل مفاصل السلطة كانت تحدث تطورات سياسية تتعارض مع رغبات ومصالح البريطانيين مثال ذلك انقلاب بكر صدقي الذي قد يكون تحركه يندرج ضمن الطموح الشخصي لكن التاييد الواسع له جاء من معارضي الوجود البريطاني تعبيرا معاداة هذا الوجود،كما ان انقلاب مايس ١٩٤١ مثل ثورة ضد البريطانيين بحيث من شدة كراهية البريطانيين توجه بعض المشاركين الاساسيين نحو المانيا النازية..

لقد سردنا بشكل مفصل المراحل السياسية وسلطنا الضوء على حجم التدخل الاجنبي في العراق خصوصا في المفاصل الهامة حيث انتهى كل ذلك بغزو عسكري اميركي مباشر حكمت اميركا بعده العراق وحددت نظامه السياسي…الآن ومنذ بضعة سنين وخصوصا بعد انسحاب الاميركان من العراق يتحكم النفوذ الايراني بالسياسة العراقية داخلية خارجية بل ويمد اذرعه ليتحكم بالاقتصاد لتكتمل حلقة التدخل الاجنبي التي بدات منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة من اجل السيطرة على النفط بشكل اساسي لتنتهي بالنفوذ الايراني الذي يهدف لتحقيق اهداف ستراتيجية كجزء من طموحات ايران الامبراطورية اضافة للاهداف الاقتصادية..

علق احد الاصدقاء على استعراضي للتدخلات الاجنبية باننا لايجب ان نحمل الاخرين اخطاءنا…ان هذا الكلام يتجاهل حقائق كلفتنا ثروات ودماء ،كما ان العراقيين لم يكونوا سلبيين ازاء مصير بلادهم فكانوا فقط يوجهون الملامة للآخرين فقد قدموا التضحيات السخية دفاعا عن استقلال بلادهم بعد وقت مبكر من تاسيس الدولة الى اليوم…

لقد كان الكيان العراقي يعاني من عيوب خلقية كان لها الاثر في واقع العراق والتطورات السياسية خلال القرن الماضي فقد انشا الانكليز كما اسلفنا هذا الكيان على وفق نظرتهم وفهمهم ومصالحهم جاهلين او متعمدين وهو امر ادى ان يعاني هذا الكيان دائما من مشاكل داخلية لم تستطع النخب الحاكمة المتتالية حلها…

لقد تميز الكيان العراقي بتنوع ثري وفريد كان يفترض ان ينعكس على نظامه السياسي الامر الذي لم يحصل ابدا فقد سلم الانكليز السلطة للضباط الشريفيين الذين لم يكونوا مؤهلين لحكم بلد بهذه المواصفات بحسب خلفياتهم السياسية والاجتماعية والفكرية ماقادهم مضطرين لاستخدام العنف في التعاطي مع امور لم يجدوا لها حلا في منظومتهم الفكرية والسياسية…قام النظام الملكي بقمع الاشوريين بقسوة متناهية وغير مبررة ثم بالغوا في استخدام القوة ضد عشائر الجنوب فقاموا بقتل المستسلمين وقصفوا واحرقوا القرىالكردية..

كان العراق الثري في تنوعه فوق قدرة الحاكمين على الفهم ووضعوا أفكارهم الأحادية نصب اعينهم للتعاطي مع التنوع الذي وجدوه عاهة او مشكلة او نتوءات في الجسد الوطني فقرروا تعديلها حتى تنسجم مع تصورهم ومن هذه النقطة بالذات جاء العنف وعدم الاستقرار..بعض الحاكمين وجدوا أن وجود الكرد يخل بعروبة العراق وآخرون رأوا أن الشيعة يشكلون خطرا على الاسلام الذي يعرفون وغيرهم لم يستطع تحمل اليهود كمواطنين فما الحل تغيير ديموغرافي يستخدم العنف لتغيير الهوية او التسفير لفئة اخرى او التهجير او العزل والإهمال وحجب الحقوق…وبعد ذلك هل يمكن الحديث عن الاستقرار والسلام الاجتماعي..لقد لعبت سياسات الانظمة المتعاقبة(عدا نظام الزعيم قاسم)دورا أساسيا في عدم استقرار العراق بموازاة التدخلات الاجنبية التي فصلناها في الحلقات السابقة..

الان ومنذ سنين هناك تدخل جديد هو التدخل الايراني الذي لا يرى في العراق الا ملحقا وجزيل من امبراطورية يحلم بها حكام ايران…نفوذهم السياسي يطال كل شييء…صادروا القرار السياسي للبلاد بمساعدة قوى الاسلام السياسي المحلية كما يمدون اذرعهم المافيوية حول مفاصل الاقتصاد العراقي للحصول على العملة الصعبة والتحايل على الحصار…ان التدخل الايراني اسوأ من كل التدخلات التي عانى منها العراق…في نفس الوقت ما زال التدخل الاميركي قائمة حيث لم يعد النفط سببا للتدخل بل الموقع الاستراتيجي…

هل كان ممكنا للعراق ان يستقر وسط هذا الحجم من التدخلات والمؤامرات الاجنبية؟ وهل كان ممكنا اتثمر تضحيات ونضالات شعبة استقرارا وازدهارا؟

هل كان ممكنا التمتع بالامن والسلم الاجتماعي في ظل حكام لم يكونوا ينتمو الى مقوماته وراءه الانساني؟

هل كان ممكنا استقرار البلد تحت قيادة حكام يكرهون شعبه كلا اوجزءا؟

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة