قطيع الانتلجينسيا

من دون وصول المعلومة والحقائق والمعطيات الفعلية للمتلقي واصحاب المصلحة في التغيير؛ لا يمكن انتظار ولادة اية زحزحات وتحولات ايجابية في حال واحوال هذه المضارب المنكوبة. ويمكن لهذه الحقيقة ان تكون نقطة شروع لفك طلاسم هلوساتنا وخيباتنا العضال، والى طرح السؤال الآتي: من يقف حجر عثرة أمام تحقق هذا الشرط الحيوي؟. انه ومن دون ادنى شك او تردد ما اخترناه عنواناً لمقالنا هذا (قطيع الانتلجينسيا) هو من يجهض انبثاقات التعافي للمجتمع (افرادا وجماعات) انها الانتلجينسيا المعطوبة، أي حطام “المثقفين والمحسوبين على الفن والكتابة والادب وباقي المتطفلين على العلوم الانسانية..). ويمكنك عزيزي القارئ التعرف على المنتسبين لنادي المتطفلين هذا، عبر ردود افعالهم تجاه من يختلف معهم فيما يعتقدونه من سكراب عقائد وآيديولوجيات وشعارات وخطابات عابرة، وفي احيان كثيرة مدفوعة الثمن. كما يمكنك التاكد من ذلك عبر فزعاتهم الجمعية “الاخوانيات” للدفاع عن بعضهم البعض واقتفاء اثر القوافل الغابرة في استراتيجيات الدمار الشامل “انصر اخاك المعطوب ظالما ام مظلوما”. مثل هذه التركة الثقيلة من قوافل “المعطوب والمذعور” هي ما ينبغي الالتفات اليه في أمرنا “الصعب المستصعب”، حيث الحجر عليهم لا يقل أهمية عن الحجر الصحي زمن كورونا المستجد..

خطورتهم تكمن فيما يتمترسون خلفه من عناوين وادعاءات جميلة وطنانة، تجعل غير القليل من الاجيال الشابة عاجزة عن كشف ملامحهم البائسة ووظائفهم المغايرة، لما يتمشدقون به من خطابات وديباجات تجعل من الوطنية والحداثة والحقوق والحريات “ملاذا للأوغاد”. الموقف من الآخر المختلف واجتهاداته المغايرة، هو الفاصل ما بين المثقف الحقيقي وذلك المتطفل على هذا العنوان. عدد غير قليل من هذا الحطام يتوهم ان اصداره ونشره لعدد من المطبوعات والقصص والروايات أو اقامته لعدد من المعارض ومشاركته في نشاطات مشابهة، تكفي لمنحه بطاقة المرور للقافلة التي تشكل رأس رمح المجتمعات والامم وضميرها الحي “الانتلجينسيا الحقيقية”، وبالتالي يبيح لهم اصدار الفتاوى في شتى مجالات الحياة، ومنها الهم السياسي على سبيل المثال لا الحصر. نشاطاتهم هذه وتطفلهم على مجالات لا يملكون عنها سوى فتات ما تلقفوه من هنا وهناك، يكشف حجم الخطر الذي يمثلونه في مشهد يزداد عتمة والتباسا يوما بعد آخر.

غالبية هذا الحطام كانوا في حقبة ذلك الذي انتشل مذعورا من جحره الاخير، متوزعين ما بين مرتزق ومتواطئ مع سلطة “المنحرفون” أو اختار تكتيك “قعدة التل أسلم”، وما تبقى ممن يدعي بطولات “دون كيخوته” زمن ما يعرف بمعارضة النظام المباد، فان سيرتهم ومواقفهم الفعلية مما جرى في صفوف تلك “المعارضة” وما جرى بعد استئصال المشرط الخارجي له ربيع العام 2003 يطيح بكل عنترياتهم الفارغة. من دون خصيصة “الآدمية” بكل ما تكتنزه من قيم اخلاقية وشيم وسلوك مهذب وحضاري؛ لا معنى لكل ما يتطاير عن نرجسياتهم المتورمة، والتي تكشف عنها لحظات التهور والغضب وترسانة كراهة الآخر المختلف، حيث تتساقط مساحيقهم الغليظة عبر وابل مكثف من ترسانة قاموس “السرسرية والادبسزية” المثقلة برذاذ الشتائم والسب والتسقيط الرخيصة، لتكشف عما يسعون لاخفاءه من هشاشة وملامح بشعة ومواقف غير مشرفة كامنة في قعر اللاشعور. الانتلجينسيا الحقيقية من دون شك تمثل خشبة خلاص مجربة، وهي بسلوكها وردود افعالها تقدم المثال والانموذج الذي يحتذى لللمجتمعات زمن المحن، لكن الامر على غير ذلك في المضارب التي هبطت عليها لعنة شكسبير “الغمان يقودون العميان”..   

جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة