شكل مجلس النواب ما أسماها باللجان البرلمانية، وعلى الفور نافس عددها عدد الوزارات العراقية، إذ تفاخر المجلس بتشكيله 25 لجنة، وكأننا في خضم سباق على الأرقام، يفلح فيه من يصل الى أكبر عدد من اللجان؛ وقد شكا نواب في أثناء مساعي تشكيل اللجان، وابان تشكيلها وبعده، من ان الأمر يجري على وفق ما جرت عليه العادة في اختيار ما يسمى بالوزارات السيادية والرئاسات الثلاث وحتى الوزارات؛ أي على وفق طريقة المحاصصة.
ان ذلك الإجراء يعني ان تلك اللجان، ستأخذ امراض النظام السياسي ذاتها، التي تسببت في تخلف العراق في جميع المجالات، التي تقصدها تلك اللجان، ومنها مجالات الزراعة والتربية والاقتصاد والاستثمار والعشائر والخدمات والاعمار وبقية القطاعات، التي يفترض ان اللجان شكلت لمتابعتها؛ والغريب ان تلك اللجان ضمت عشرات الأعضاء في حالة عجيبة ومستهجنة؛ و نحن نخشى ان يصح عليها المثل الذي يقول، ان السفينة اذا كثر ملاحوها تغرق، إذ ان كثرة اللجان ورؤسائها واعضائها، يعني إنفاق أموالها على قضايا الرواتب والامتيازات والحمايات، وغيرها من الشؤون التي كانت سبباً في اخفاق الوزارات السابقة، وموت مجلس النواب في دوراته المنصرمة، وتعطل المشاريع، واستفحال الفساد الذي فرط بآمال الناس، وقتل طموحاتهم في الخلاص من اوضاعهم الشاذة.
ان سير العملية السياسية في العراق، يكرر الاخطاء ذاتها في كل مرة؛ اذ درجت الرئاسات والوزراء في الدورات السابقة على الكرم المفرط في تعيين المستشارين و “الخبراء”، ما تسبب في تضخم الجهاز الإداري، وزيادة الإنفاق الحكومي على الحلقات غير الضرورية، و كان يمكن الاكتفاء بمستشارين لرئاسة الجمهورية او رئاسة الوزراء مثلا، كي يشيروا الى مكامن الخلل ويشخصوا العلاجات المطلوبة؛ وتلك اجراءات كان يصار اليها في اوقات سابقة من تاريخ العراق المعاصر منذ ما يسمى بتأسيس الدولة العراقية عام 1921، حيث لم يلجأ المسؤولون التنفيذيون الى تعيين المستشارين، إلا في حالات الضرورة القصوى، فيجري اختيار اصحاب الاختصاص الاكفاء، الذين يتميزون بالخبرة العلمية والاكاديمية والنزاهة؛ الأمر الذي دفع بالبلد خطوات الى الامام، قبل ان تفتك به المؤامرات العسكرية والسياسية، التي اوصلتنا الى اوضاعنا الكارثية الحالية، فبتنا نبحث عن اللجان و المستشارين، ونضخم اعدادها من دون ان ينتفع الناس منها.
وكما قيل عن احد زعماء العراق السابقين، حين طلب من صاحب مخبز ان يقلل حجم صورته وان يزيد كمية “شنكة” العجين؛ فان علينا الآن ان نقلل من ونختصر عدد اللجان و اعضائها، وان نكثر من رفد مفاصل البلد الاساسية بأصحاب الاختصاص و الكفوئين، فلن تحل مشكلات العراق بالإكثار من عدد اللجان ومدها بالأسماء الفاشلة ذاتها التي خبرها الشعب طيلة عشر سنوات؛ التي رأينا بعضها على رأس اللجان، او ضمنها التي جرى تصنيف كثير منها بحسب الانتماءات العرقية والمذهبية.
صادق الازرقي