على خلفية زيارة محمد بن سلمان
جون ستارلك
في ظل ما تعانيه الباكستان من تقشف في الاحتياطيات الأجنبية، ومن عجز متزايد في الموازنة السنوية ، ومن صراع مرير لتأمين مستقبلها المالي، وعلى الرغم من ذلك الاستقبال المبالغ فيه من قبل الجانب الباكستاني لولي العهد السعودي لمحمد بن سلمان, مثلت تلك الزيارة مادة دسمة للكثير من مراكز البحث والدراسات الاميركية التي اوضحت اسباب هذه الزيارة واسرارها , من ضمنها ما نشره الكاتب والمحلل السياسي (جون ستارلك) ضمن منشورات معهد ” كوبن للابحاث والدراسات الاستراتيجية في واشنطن ” ، تحت عنوان ماذا خلف كواليس زيارة محمد بن سلمان الى باكستان؟
“من السهل للمتلقي والقارئ أن يعرف مدى حاجة بلد كباكستان للمال السعودي في ظل ما تعانيه من تدهور في الوضع الاقتصادي والمالي , ومن السهل أن يدرك مدى فرحة باكستان بتلك الزيارة الموعودة بالمزيد من الهدايا والقرابين .
لكن ما الذي يمثله المال السعودي , وهل يمثل كل الابعاد التي تربط البلدين مع بعض في الوقت الحالي او في المستقبل ؟؟
* عن معهد ” كوبن للابحاث والدراسات الاستراتيجية في واشنطن “.
لا يمكن النسيان ان الباكستان تم اختيارها كمحطة أولى في الوقت الحالي من قبل السعودية في بداية جولة أسيوية تشمل خمس دول , على الرغم من تأجيل بعض الرحلات بخلاف زيارتين لولي العهد محمد بن سلمان للصين والهند اللتين ينظر إليهما كخطوة ذكية من ولي العهد المثير للجدل.
وقد تكون مظاهر بذخ الزيارة مشابهة لما حصل في 2006 والتي قام بها العاهل السعودي آنذاك، عبد الله بن عبد العزيز، الى دولة باكستان النووية , خاصة ان الزيارة الحالية حظيت باهتمام امني جاد ، تجلّى في تصريح عمران خان بأنه يتولى شخصيًا الإشراف على مهمة الترتيبات الأمنية.
لكن من المهم هنا الاشارة الى ان جولة محمد بن سلمان التي حدثت مؤخرا تأتي وسط احتدام التوترات في المنطقة، بعد أن ألقت الهند باللائمة على باكستان في الهجوم الأكثر دموية على مدى عقود والذي استهدف قوات أمنية في الجزء الواقع تحت الإدارة الهندية من كشمير.
وفي خضم الحديث عن سر حاجة باكستان الماسة للنقد السعودي فيجب الاشارة الى ان أفلاس البنك الباكستاني الذي بات فقيرا من قيمة الاحتياطات الاجنبية , اضافة الى أزمة كبيرة يشهدها ميزان المدفوعات الباكستاني كانت مسببا كبيرا لذلك الفرح الباكستاني للزيارة الاخيرة من قبل ولي العهد , كما لا يمكن انكار ذلك الفقر الباكستاني خاصة وسط تعاطي باكستان مساعدات مالية كبيرة من بعض الدول المانحة والتي تثبت فقرها , والتي حدثت منذ تنصيب لاعب الكريكيت السابق عمران خان في اب الماضي , في محاولة منه لردم الهوة المالية الكبيرة التي تعانيها البلاد .
لذلك تسعى باكستان إلى الحصول على حزمة الإنقاذ الثالثة عشرة منذ حقبة الثمانينيات، وكانت السعودية قد أقرضتها ستة مليارات دولار.
ما الذي ستجنيه السعودية ؟
قد يكون من السهل التصور ان بلد كباكستان بأمكانه الانتفاع من سخاء بلد كالسعودية, ولكن ما الذي ستجنيه السعودية من الباكستان ؟
خاصة ان هذه الجولة تأتي في وقت شديد الخصوصية بالنسبة للمملكة إذ تعاني في الوقت الراهن من أزمة عالمية تتعلق بسُمعتها جراء دورها الخاص بالكارثة الإنسانية في حرب اليمن ومقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول.
في ظل هذا المشهد، يُنظر إلى الزيارة باعتبارها خطوة ذكية من محمد بن سلمان، الساعي إلى تعزيز العلاقات مع حلفاء محل ثقة عبر توزيع الأموال. ومن الأهمية كذلك عدم نسيان ما تمثله باكستان من أهمية بالغة للسعوديين.
وتجمع البلدين علاقاتٌ عسكرية تمتد إلى عقود؛ وعندما تعرّض أقدس مقدسات الإسلام في مكة لهجوم من مسلحين قبل أربعة عقود، كانت قوات باكستانية هي التي تولت القضاء على هؤلاء المسلحين.
لذلك هناك افتراض يدور في الافق اشار اليه عدد من المراقبين لما يجري حاليا في الشرق الاوسط , وهو ان باكستان مستقبلا ستكون قادرة على تقديم القوة البشرية إذا ما واجهت السعودية أزمة أمنية كبرى أو هجوماً كبيرًا , كونها تملك المال نعم , لكن وجود المال ليس كافيا ان تملك جيشا قويا كقوة وضخامة الجيش الباكستاني .
كما ان المهتمين لشؤون الشرق الاوسط , يشمون رائحة اتفاق نووي وعلاقة نووية وطيدة ما بين السعودية وباكستان يمكن للسعودية الاستعانة بباكستان في اي وقت تجده مناسبا , خاصة في ظل وجود خوف كبير من امتلاك ايران المنافس الاقليمي الاكبر للمملكة سلاحا نوويا قاتلا .
وعلى الرغم من عدم التأكد لحد الان من وجود مثل هذا النوع من العلاقات النووية ما بين الجانب السعودي والباكستاني , الا ان المعطيات الحالية تؤكد ولادة مثل هذا النوع من الاتفاقيات المستقبلية , خاصة ان النفوذ السعودي في باكستان ومن ضمنه النفوذ الديني ذو الأغلبية السُنية يساعد على ذلك , كما يذكر التاريخ انه وبعد حرب السوفييت في أفغانستان في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، تمكنت الدولتان من تدشين شبكة ضخمة من المعاهد الدينية، والتي كان من بين أهدافها التصدي للنفوذ الإيراني.
كما لا يمكن الانكار ان وجود ايران بالمجاور مع الباكستان سبب اخر وكبير وراء رغبة السعودية في تعزيز علاقاتها مع باكستان.
وبذلك تسعى السعودية لضمان بقاء باكستان أقرب إلى الرياض منها إلى طهران , حتى وان رفضت باكستان الطلب السعودي بالانضمام لحرب اليمن والتي اضرت كثيرا بالعلاقات بين الطرفين الا ان تبوء محمد بن سلمان المنصب اعتبرتها السعودية بمثابة صفحة جديدة في تلك العلاقات
ان توقيتات هذه الجولة السعودية ضمن الاراضي الباكستانية والهندية ينذر بتحول جيوسياسي في المنطقة , كما ان السعودية ستعمل بحرص على تقوية اواصر تلك العلاقات خاصة ان تلك اللقاءات عززها المسؤولون السعوديون بلقاءات دبلوماسية سرية مع قادة الجيش الباكستاني حسب تصريحات صحفية مسربة مؤكدة”.