أحمد خلف
تنبع أهمية الكتابة الفكرية والإبداعية من قوة سلطتها، إذ يمنحها كاتبها خصوصية العناية والاهتمام لتفردها الاستثنائي بين مفاهيمه المتعددة التي قد تخدمه في محاولاته في تأصيل ثقافته ووعيه بها.. والكتابة هي معطىً إنساني يحظى باحترام وتقديس العاملين في مجال الفكر والفن والأدب، وتمنح الكتابة لمن يمارسها الشعور الكافي بمسؤوليته ومقدرته في الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتخضع هذه المفاهيم للتطور المستمر عادة حسب الوقت والمكان والحالة وكذلك طبيعة نظام الحكم في ذلك البلد الذي تجري فيه تغيرات وتطورات اجتماعية وسياسية كالانتخابات العامة وعمليات تسلم السلطة بطرق سلمية حضارية أو سنّ قوانين جديدة تخدم بالضرورة الحياة اليومية للمواطن البسيط على مستوى التربية والصحة وبقية الخدمات، وبالقدر الذي يتمتع فيه المثقف والكاتب (الذي يعي دوره) بقسط وافر من الشعور بتلك الحرية وخصوصاً حرية التعبير، فان عليه ممارستها أو إعلان الدفاع عنها ولو على قدر من القناعة التي يمكن لها أن تمثل نزوعه نحو امتلاك فرصته الضائعة وبقدر اهتمامه بوسائله التعبيرية وتطويرها عليه أن يدافع عنها أيضاً ويحسن امتلاكها وذلك من خلال زيادة وعيه بالأشياء المحيطة به..
ويخشى الحاكم من بسالة عدد معين من المبدعين الكبار الذين يولون العملية الكتابية اعتباراً خاصاً ويدافعون عنها باهتمام خاص، وهذا النوع من الكتّاب الذين تحسب لهم السلطة حساباً، ترتبط لديهم الكتابة بالمفهوم الكلي لمعنى المسؤولية والحرية والديمقراطية ولا يمكن التفريط بأي منها، وعلى الفنان/الكاتب أن يعي إن ثنائية المثقف والسلطة لايمكن أن تزول أو تختفي من الوجود، بل هي مستمرة في تواجدها وتفاعلها اليومي والعام ويمكن للسلطة استغلال تلك الأطروحة كلما حانت الفرصة لتضرب بها المثقف الحرّ ذا الإحساس العالي بالمسؤولية الأخلاقية حالما تجد الوقت مناسباً لضربه، أي في اللحظة التي تضع يدها على مجموعة من ذرائع وتبريرات واتهامات لإنهاء سلطة المثقف وزعزعة قناعاته الفكرية والسياسية، فإنها لن تتوانى في ترسيخ ذلك والتشهير به.. ومن هذا نجد أن الخلاف بين المثقف والسلطة ليس بالصراع بالمرتجل أو القدري بل ينتسب إلى صراع الوجود وتعزيز مكانة القيم والمفاهيم الإنسانية ضد النزعة السلطوية للحاكم وتابعيه، وقد أشار سارتر إلى ضرورة الالتزام الحرّ للكاتب الحرّ وأن يتوفر في ذلك الالتزام قدر من المسؤولية تجاه الناس الذين هم بحاجة لمؤازرة المثقف الواعي لدوره في حراك مجتمعه… ولا يعتقد المثقف إن سلطته الذاتية هي أقل من مستوى الصراع بل إن ازدياد حدة الوعي لديه وإصراره على اتخاذ مواقف إنسانية وسياسية تترجم التزامه الحرّ تجاه الناس، هي التي تفرز ذلك الإحساس بالمسؤولية إزاء عديد القضايا الحساسة والتي قد تفرض عليه موقفاً جاداً يتطلب نقداً صريحاً لمؤسسات السلطة السياسية والاجتماعية. ويصبح والحالة هذه لزاماً عليه الامتثال لوعيه تجاه ما يجري ويحصل في البلد من تغيّرات مفاجئة ومحتملة أيضاً.
*كلمة للكاتب في مجلة «الثقافة الجديدة» العدد 367