الشعراء الصعاليك

كانت نزعة الثورة ضد التفاوت الاجتماعي، هي السمة التي خلدت الشعراء الصعاليك على مر الأزمان، وجعلتهم محل إعجاب الناس في كل العصور. كانوا فقراء دفعهم الشعور بالإجحاف إلى السلب والنهب، وحملتهم الحاجة إلى السرقة واللصوصية. أما الشعر فكان يعمل على تنمية جانب الخير في أنفسهم، وتعزيز الشعور بالانتماء لديهم .
ولم تتوقف ظاهرة الصعاليك عند زمن ما، فقد عرفت في الجاهلية وصدر الإسلام. وفي العهود الأموية والعباسية والعثمانية. ولم تنته في حقبة الاستعمار والحكم الوطني، واستمرت على شكل شقاوات أو فتوات أو شطار أو سوى ذلك من التسميات إلى وقت قريب.
كان صعاليك الجاهلية وصدر الإسلام، مثل تأبط شراً وعروة بن الورد ومالك بن الريب وآخرين، يغزون لا لإعالة الفقراء، أو إطعام الجياع، فهذا ما لا يمكن توقع حدوثه. لكنهم كانوا على أتم الاستعداد لإغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم، كلما دعت الحاجة!
أما في العصر الحاضر فقد برزت ظاهرة الشعراء الصعاليك من جديد، ولكنها لم تكن تضم لصوصاً أو شقاوات، بل مشردين ومعدمين، وأحياناً مقامرين ومدمنين. ولم يكن لدى هؤلاء دور ولا أسر ولا موارد مالية ولا وظائف .. ألخ. وكانوا أضعف من أن يخوضوا معركة على الأرض، أو مواجهة مع السلطة. ولكنهم كانوا يمتلكون الشجاعة لمنازلة الأقوياء، ومقارعة الطغيان، ومهاجمة التقاليد .. على الورق! وكانوا أحوج إلى من يمد لهم يد العون، ويشملهم بالرعاية من أي شخص آخر.
كان حسين مردان ينام في المقبرة البريطانية جل لياليه لأنه لم يكن يملك ثمن المبيت في فندق من الدرجة العاشرة. أما عبد الأمير الحصيري فكان ينام في كل مكان حينما يشعر بالنعاس، وغالباً ما يكون ذلك على الرصيف. حتى عثر عليه ذات يوم من أيام عام 1978 ميتاً في فندق الكوثر في كرخ بغداد بسبب احتشاء العضلة القلبية!
الحصيري هذا كتب ديواناً ضخماً من الشعر في الكويت، بعد هجرته إليها عام 1964، ولكن الديوان نشر باسم شخص آخر، لقاء مبلغ من المال. وقيل أن شعراء كثيرين في العراق والبلاد العربية اشتروا منه قصائد كثيرة مقابل المال أيضاً. ولم يقتصر الأمر على العراق فقد كان هناك شعراء في مصر مثل عبد الحميد الديب، وروائيون في السودان مثل محمد حسين بهنس، يعانون ذات الضائقة. حتى أن الأخير مات متجمداً من البرد والجوع في إحدى حدائق القاهرة عام 2005!
ما كتبه هؤلاء كان في الغالب تمرداً على واقع لم يستطيعوا مواجهته، ومجتمع لم يتمكنوا من العيش في ظلاله. ولكن هل كان بإمكان مجتمع ما في العالم أن يؤوي إليه من أعلن الثورة عليه، وغالى في الازدراء بقيمه وثوابته؟
لقد تصور الصعاليك المحدثون في لحظة ما، أن السبيل الوحيد لتحقيق الذات هو في هتك أستار التقاليد والنظم والقوانين والشرائع السماوية والأرضية، وحاولوا تبرئة أنفسهم من أي مسؤولية يحتمها العيش في مجتمع متخلف. وكان عليهم أن يجدوا طريقاً آخر للشعور بالخلاص من هذا المأزق غير الطريق الذي أوقعوا أنفسهم فيها، عن دراية أو غير دراية.
محمد زكي ابراهيـم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة