الواقع المرئي في..
علوان السلمان
إن التعبيرعن الحياة يجب ان يكون بعد تجربة تتم عبر رؤية واحساس وشعور لذا فكل تجربة للاديب وراءها موقفا خاصا من الحياة و الانسان..
ومهدي عيسى الصقر القاص المجدد الذي عده الناقد د.علي جواد الطاهر(من اهم القصاصين المتميزين في الادب القصصي العراقي..) لكونه من كتاب القصة المحدثين الذين رفدوا الفن القصصي بروافد تميزت بجودتها الفنية المستفيدة من التكنيك القصصي في الادب العربي مع اصالة في التعبير عن الاجواء العراقية ( خاصة الجنوبية) لكونه ابن الجنوب البصري الذي عاش الصراعات و احتضن مختلف الثقافات وعايشها بحكم الموقع الجغرافي للبصرة (الميناء) والخيرات الزراعية (النخيل) و منبع النفط…فاستل الصقر ثيمته القصصية من هذا الموقع وبذلك عبر عن الجانب المضي للحياة..
مهدي عيسى الصقر انتسسب الى الريف الجنوبي من خلال قصته (المضخة) اذا نلتمس البراعة الواقعية فيها مع تعبير عن روح الصراع الذي يجري هناك على (الارض ـ الماء ـ المضخة..) ولا ننس التصوير البارع للاجواء والوان الطبيعة..يقول الروائي غائب طعمة فرحان عنها (المضخة قصة كتبت بقلم قصاص بارع ليس غريبا عن ريفنا العراقي في الجنوب.. وفيها تحسس صادق لبعض المسائل التي اثارتها الثورة.. وتعبير عن الروح التي اججتها.. وفضلا عن ذلك فان القصاص قد نجح في تصوير اجواء الريف و الطبيعة..
ويقول د.عبد الاله احمد (ان مضخة مهدي عيسى الصقر تصور الاوضاع الجديدة بعد ثورة 14 تموز على نحو يعكس موقف مؤلفها الفكري وطبيعة رؤيتة للاطراف الصراع الدائر في الريف وطبيعة العلاقات الجديدة التي بدات تنشا فيه…)
لذا فالصقر صاحب زؤية نقدية لواقع يعيشه بكل اشكاله معتمدا اسلوبا فنيا واقعيا اتخذ من تشيخوف منهجا لخوض تجربته القصصية التي تقربت من العالمية واخترقت الافاق ابتداء من مجموعته القصصية الاولى (غضب المدينة) عام 1954 ونتهاء بـ (بيت على نهر دجلة) عام 2006 اذ كانت رحلته القصصيه معتمدة الواقعية
الاجتماعية الذي حملت بين طياتها روح التجــديد الذي اعتلاه مجمــوعة من كتاب القصة انذاك كفــؤاد التكــرلـي وعبدالملك نوري ومحمود الظاهر ومحمود عبد الوهاب اذ اعتمدو الواقعية في تسجيل الاحداث مع فنية معتمدة على خيال محلق في مناطق شعبية وبلغة شعبية للتعبير عن رؤيتهم الفكرية.. وهذا يعني تصوير الخصوصية العراقية بما فيها من متناقضات وما تحمله من الامال والام..
والصقر احد اولئك القصاصين الذين اهتمو بتصوير الخصوصية العراقية بكل مناخاتها وناسها وصراعاتها وملامح مدنها التي تشكلت من النازحتين اليها من ريف عانى ما عانى من تخلف و اضطهاد وبكاء قرى على الذين ارتحلو بعد عناق سنين.. مهدي عيسى الصقر الذي اكلت من عمره شركة نفط البصرة اكثر من خمسة وعشرين عاما علمته الكثير .. اذ تماسه المباشر مع العمال ومعاناتهم ومشكلاتهم ومظاهراتهم فاستبطن في نتاجه القصصي اذ ارتباطه بالتيار التقدمي للفن القصصي لم يفارقه حتى لحظاته الاخيرة فارضا نفسه عليه فظل امينا في نقل الوقائع لمضامين قصصه التي لا تعرف الحب الا خروجا عن الذات والذوبان في جموع المتعبين مسخر ادبه لهم موجها ومعلما ومتعلما .. فهو حين يعبر عبر عن الحب لا يعبر عن حب مجرد بل يعبر في كتاباته عن الملابسات الماساوية التي تزرع المرارة في النفس وادانة واقع لايعطي لهذه العلاقة قيمتها الانسانية التي تنشا خارج الارادة في اغلب الاحيان .. ففي حوار بين الشاعر (يوسف بن هلال) والممرضة (امل) التي تعتني به وهو على فراش الهلاك يقول القاضي:
• رأته الممرضة يطيل النظر الى وجهها .. انت جميلة ..
• ضحكت وداخلها شي من الزهو.. وان كان الذي يمتدحها انسان هالك..
• هل تريد شيئا ؟
• انما اريده ما عدت اقوى عليه ..
• تشاغلت بتعديل اطراف الغطاء .. اي انسان هذا ؟ كيف يفكر رجل يقترب من الموت بالمراة ورغبات الجسد ..
فالشاعر لم يقل الا جملة بريئه تحتمل اي تفسير ومنها تفسير السياب عندما يقول في قصص الصقر:
(ابطال قصص الصقر يبحثون عن الحب خلال بحثهم الدؤوب عن الخير, عن الحب الذي لا يكلف مالا ولا وقتا .. عن حب يومي كالخبز اليومي .. )..
والقاص الصقر يقول (ما دفعني لكتابه هذه الرواية القصيرة (اشواق طائر الليل) هومعرفتي بجوانب من حياة السياب الشخصية .. كنت واحدا من اصدقائه العديدين .. عاشرته .. حدثني عن ابيه وامه واهله وقصائده وهي ماتزال محض افكار وهواجس في الذاكرة .. عن مشاعره وعذاباته لفراغ حياته من الحب .. ويضيف القاص (انني حين كتبت (اشواق طائر الليل) لم اكتب عن شاعر متخيل وضعت على لسانه الكلمات كيفما اتفق .. لقد حاولت قدر المستطاع ان اصف سلوكه ومشاعره وردود افعاله في ضوء معرفتي به شخصيا ..
وهذا يعني ان الصقر كان لصيقا بالتيار الواقعي لايمانه بدلالاته الفنية وموضوعيته العلمية .. لذا كان في الستينات مبتعدا عن التيار التجريبي الذي طغى على الفن القصصي فهو يقول:
(ان التجربه في القصة تنفلت في احايين كثيرة من عقال الفنية و الموضوعية)..وهو لا يهتم بوصف ملامح ابطاله الخارجيه وانما يقتصر اهتمامه على وصف حركاتهم والاطار العام الذي يتحركون فيه..فهو يعتمد الشخصية الريفية التي عرف منزلتها الاجتماعيه واسلوبها في الحديث وانفعالاتها وردود افعالها والاخرين ازاءها .. لذا فالحوار تسيطر عليه اللغة العامية الدارجة اكثر الاحيان مع لغة وسيطة ..
ـ (تنظر اليه (نوفه) من طرف الكوخ وتحك باظافرها الطويلة راسها الاشعث ثم تساله :
• عوفي موش تريد اتبيع الهايشه ؟
• ولج الهايشة نافعتنى .. انبيعها ونسكت ؟ شلون ؟
ومن قصته (بكاء الاطفال) التي اعجب فيها الكثير من النقاد عند قرائتهم مجموعته (مجرمون طيبون) اذ قال فيها عيسى الناعوري :
(انها اجمل الاقاصيص واروعها واعمقها تاثيرا .. فهي في قمة
انتاج القاص سواء من الناحية الفنية او من حيث الرسالة
الاجتماعيه .. )
وقال عنها د.سهيل ادريس (هي قصة رفيعة فيما تهدف اليه من
مغزى اجتماعي)
وقال عنها سليم غاوي عبد الجبار :
(انها قصة المجموعة بل قصة مهدي عيسى الصقر.. انها حياة
كاملة زاخرة..)
• لكن ابنه ما يزال يبكي .. فالتفت الى زوجته ..
• اشغليه بحق السماء
• بماذا اشغله ..؟
• ضعيه على صدرك
• قلت لك ليس فيه لبن ..
. اعلم ذلك دعيه يمتص لعله يسكت
• والى متى ؟
• الى ان ينقطع نفسه او ينقطع نفسي
فشخصيات الصقر هم الذين يفرضون عليه ان يكتب لانهم ينضحون من اعماقه حتى الامتلاء و الوصول الى مرحلة الانفجار فيفرغ ذلك على اوراقه والا انفجر … وهذا قد يكون احد الاسباب التي جعلته يعود للكتابة بعد انقطاع قارب العشرين عاما ..اضافة الى ما قاله الناقد ياسين النصير في ان فضل عودته الى جمع من المثقفين منهم الناقد الدكتور علي جواد الطاهر والناقد الدكتور عبد الاله احمد والناقد فاضل ثامر والقاص موسى كريدي والقاص فؤاد التكرلي .. ويعود الصقر ناشطا في النشر, مستجيبا لدعوتهم لانه يعيش كل لحظاته قارئا ملتصقا مختزنا التجارب اليومية الحياتية .. لذا كانت لغته القصصية متصفة بالمرونة التي احتلت سطور مجاميعه القصصيه ورواياته ابتداء من (مجرمون طيبون) عام 1954 و(غضب المدينة) عام 1960 و(حيرة سيدة عجوز) عام 1986 ومرورا بـ(اجراس) عام 1991 وروايته (اشواق طائر الليل) عام 1995 و(صراخ النوارس) عام 1997 و(الشاطي الثاني) عام 1998 و(رياح شرقية .. رياح غربية)عام 1998 و(الشاهدة والزنجي) عام 1999 وهذان العملان انجزهما الصقر خلال سنتين من العودة للكتابة والشاهدة والزنجي نحى فيها منحى جديد (اذ الشرطي السري حين يلاحق قاصا لغرض الحصول على بعض النقود لمعالجة ولده المريض لا من اجل الايقاع به .. ) وهذا خلاف ما متعارف عليه تاريخيا .. وانتهاء (بشتاء بلا مطر) عام 2000 و(شواطي الشوق) عام 2001 ووجع الكتابة _مذكرات ويوميات عام 2001 ورواية (امراة الغائب) عام 2004 واخيرا روايته (بيت على نهر دجلة) عام 2006 التي طبعها دار المدى كشاهد لابداع لن ينضب..