البسالةُ نيِّئة، والهولُ في جيب قميصكَ

وليد هرمز

الحدائقُ فضيلة التراب وجذور الضوء.
جسدُها في ميزان الليلك.
بعد استحقاق الموت،
أو ما دسَّتْهُ النحْلةُ في ألمِ القرنفل.
هنا العذوبة الأولى
هنا الحديقةُ،
وهي تُلحُّ أن تَسقيها زفراتكَ ـ
زفراتكَ الطريَّةِ.
لا تهنَأ.
أنفاسُكَ هناك،
نائمة بنصف حَدَقةٍ،
وأنتَ تُحدِّقُ بضوءِ العُذوبةِ،
والتويجاتُ لم تبرح ضوء الحَدَقة.
للآنَ،
لِحاءُ المنفى ما زالَ يَرْتَجيكَ
قَشْطَ الأورام الرحيمة.
للآنَ
لم تمتلئ قارورة الرماد
بشَيْبِ الغريب.
الحديقةُ مقبرةً كانت: أُنزِلْت النعوشُ،
فارتخت رعشةُ الأكتافِ من ثُقلِ الآه.
صُفَّت في أرضٍ خلاءٍ،
تلك الجنازاتُ،
أُخْرِسَت مواكبها الصاخبة.
أسدلت المقبرةُ ستارةَ الحِداد.
المِسْحاةُ تكبو، سجَّاها
الحفارُ على الترابِ
كحُزنٍ مُمْتَدَحٍ،
وبقي وحيدًا كعادته.
ريحٌ صفراء
ريحُ صحراء
صوتٌ أدْرَد،
انْشقَّ عن حناجِر الهواء:
إششششش. إششششش.
هل الموتى صاحون؟
إشششششششششش.
طاعون
طاعون.
احْرُثْها في صباحٍ دافئ. رُشَّ السُّمْر التُّرابَ، سيتعفِّرُ غَنِجًا في نصف نُعاسه الفَجْريِّ.
اتْركهُ ـ ذاكَ التُرابَ الهَشيمَ، بلا بُرهانٍ، لشمسٍ نصف ربيعيةٍ، يَتَحمَّصُ ظاهرهُ الجهنَّميّ، كباطنهِ الذي تفضحهُ خصومة الأرواح. احفُنِ القليل، دائمًا في المؤسف من اللَّمْسِ الضائع، بين يديْكَ. سيوشوشُ الصَفْصافُ.
هو ذا دُوريٌّ يُفاجئكَ إذْ تسْتسْلِمُ أُنثاه.
يهتزُ غصنٌ صَفْصافٌ.
أتُطَمْئِنُهُ؟
أسَتَشُمُّهُ؟
للآنَ،
تطوي الكفَّيْنِ برفقٍ، كمَنْ يفحصُ تربةً طقطقَت فيها للتوِّ رحمةُ الأنفاسِ بفتورٍ هشٍ،
أو كما ثدي فسائلَ سُمْرٍ تلوبُ لشقاءِ الماء.
بِمَ يُذكِّرُكَ المشهدُ المُختلُّ؟
أَلَمْ تكُنْ ذاكرتك من ضباب؟
أَلَمْ تضرب التُرابَ بسنابِكَ من حرير؟
أتَرى؟:
المَكْمنُ عادلٌ، إذًا،
بين الطعْنَة الهوجاء وبينَ الفاجعة.
حين يكتملُ مهرجانُ الوافدينَ هرولةً إلى العالم السُفلي،
يصيحُ الربُّ:
اذْبَحوا النَسْلَ.
لَنْ أكتفي.
لمْ يكتملِ الخرابُ بَعْدُ،
يصرُخُ الربُّ.
هاتِ صحوَ البياضِ بلا سطورٍ.
في البالِ هدمٌ.
أعِدْ بناءَ النشيدِ المؤتمِنِ على خيالك الناقصَ كنشيدٍ ناقصٍ.
في البالِ تدوينٌ.
تحت أضلاعِكَ اجتهادٌ نزقٌ.
خبطٌ تُؤجِّجهُ نواقيسُ الخيبةِ الجميلة.
لكنك الوحيدُ الذي يهذِّبُ ذاكَ الرنين.
بقليلٍ من عَطَبٍ مُتاحٍ يَهْذي
النبضُ في أصابِعِك المُنْهكة.
تجيئُها كالمقتلةِ في نزوة الفجر،
أو في المغيبِ الذي يتَّكئ على
أنَّات تَعِبٍ يأخذُكَ، بعْدَ أعوامٍ، إلى حانةِ العنبِ.
البسالةُ نيِّئةٌ تهوي في
سلةِ قلبكَ،
والهولُ في جيب قميصكَ
الفضفاض.
عُذركَ ضيَّع يقينكَ،
ولهفتكَ ندمٌ فاجرٌ.
تنْفلقُ من تحتِ قدميها نبتةُ هشَّة:
الألفةُ الزهرُ،
نَزْرٌ من ثرثرةِ ورق اللوز يلتصقَ كنُدْبةٍ خضراء على خيالِ الساق.
تنفّسَ الغِيابُ. استطاَلَ. فارَت أسافِلُ الشَّبَحِ.
خُفْتَ.
ابْتعَدْتَ،
لكن الغياب غَدَا شجرة.
يرتفعُ ارتباككَ، رقيقًا، بأناةٍ،
كمن يشقى للثمة نهدٍ.
لا يهدأ العبثُ الفاضحُ.
لا يأنسُ لحكاية الغريبِ.
ضلعٌ منكَ يهبّ بخبلٍ.
هو الوحيدُ فيكَ جامِعُ ألمِكَ.
ربما الأثلامُ تتوحَّدُ بلُحْمةِ مَرارةِ
بزرِ الباذنجان.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة