إبراهيم الكراوي
قريباً
سيمر قطار الليل كسهم مسموم
ليمزق حرير الليل،
ويفكك عظام الأفق ..
قريباً .. ستغزو غيوم نافقة ساحل الرمال
وترتفع بحيرة من الضباب حيث تستحم المدينة.
***
أسمع أنين طفل هناك
فحيح أفعى،
مناجل الرعد
تحصد أشجار الرغبة..
***
العالم الممدد على سرير الكون
وجمرات الحرب،
الجمرات المنقوعة في حرير الرماد ..
الأحلام المعلقة على حائط المدينة
كلوحة بيكاسو وساعة سلفادور دالي
هي ما تبقى من هذه الحرب التي تشتعل..
أصغي جيدا لأنين الريح
والألم في الزوايا..
أصغي لهبوب الورد
من قلبك البعيد
***
على الهضبة الحارس الذي ينثر الضوء
مثل حبوب القمح في حقول الأبدية .
الشمس الآيلة للسقوط من الطابق العاشر
يسيل من فمها ، دم كثير، وحبكة مشوقة.
العشق الأبدي بين زهرة الشمس و الشمس،
سبب الإنتحار المتكرر لكلا العشيقين
***
غب كل آنتحار
تَحمل فُلك المياه الشمس
إلى عمق كهوف، وقرى مرمية كحذاء قديم
على الهضبة الميتة.
أرتجف كطائر وحيد في السماوات،
يرفرف متوجسا من غيمة سوداء..
***
الورود في المزهرية ترتجف
من الخوف، في ليل حرب ..
الورود أيتام بلا مأوى
غروب شمس مغمى عليها
في ليل طويل ملقى على الرصيف كجثة ..
اللصوص المنفيون عن جزيرة النهار
يلتفون حول الليل كبياض مسموم ..
لا أحد يصغي لصفير القطار
وجحافل الجنود الجريحة تهذي ..
***
إنها الريح تبيض في قمة الجبل
طيورا من بلور الحجل
ثياب الريح
المزدانة بعيون كنجوم ذابلة
مبللة بغيوم،
ترتقي أعلى من جبال مدفونة
في قلب الضباب .
كان الضباب الأبيض
مقابر تاريخية، حيث وجدنا
عظام الشمس
جنودا بثياب بالية ،
حذاء كارل ماركس
وبحيرة الصمت المتجمدة
***
بعد مطلع الشمس
شرع الليل يذوب ويسيل
شلالات تستنفر الكون ،
من فوق الجبال التي تحرس الأبدية
نزيف الأرض لا ينتهي.
القرون الغابرة
تحلق فوق الهضبة كنسر
***
الحرب مرة أخرى على الأبواب
هذا هو العالم
الأجراس معطلة، الورود في القمامة
تصطف الأشجار على الرصيف
ماذا تنتظر ؟
هذيان السماء أم الهواء الذي يحرك العاصفة ؟
نجوم تسقط بطيئا كأوراق صفراء
وعيون أطفال تصطفق كأبواب حتى الألم
***
ينفطر قلبه، هذا الشاعر
كشمس الأصيل
محمولة في سفينة نوح ..
سركون بولص وأمرؤالقيس
السياب وسيف الرحبي ورونيه شار
نازك الملائكة و عباس بيضون
يوسف الخال و مبارك وساط ….
في سفينة نوح ، في رسالة الغفران
***
الأطفال غيوم تقشعر لها الأشجار
أوراق الأشجار
تصيخ السمع لمن عبروا غابات الأفق
لتختفي إلى الأبد ..
قوافل تختفي هناك
أقتفي أثرها دون أن أصل…
***
بياض الورقة
صدأ يتساقط شيئا فشيئا
إلى أن يتهاوى جدارها كليافي قلبي
حيث تسيل جداول الألم
وحكايات الحرب أعلى
من الجبل نسور ترفو
شعارات في مظاهرات الريح
وتختفي .. بين الغيوم الرمادية
طائر الفينيق يظهر ويختفي
متربصا ببحيرة الغيم ..
***
هل رأيت الفراغ في الأبيض
أم في الأسود
أم في جماجم الليل؟
لقد مر قطار
قطار الواحدة بعد منتصف القلب،
بينما نصغي لتلعثم أضلاع الأفق
في صحراء البرد
***
أخيرا وليس بأخير
وبعد طول آنتظار
وصل قطار العاشرة بعد الألم
إلى محطة القطار الملتحفة بالسماء
في آنتظاره
النهار المبقع بالحبر
على الرصيف
موتى وطيور نافقة
وسديم يغزو المدينة
الحرب مرة أخرى
في الأركان
الأبدية تنكفئ على نفسها
كطفل نزل من كوة السماء.