ربما لم يكن الأعرابي الطيب صاحب المثل القائل “عرب وين ..طنبورة وين ” يتوقع أن تحقق مقولته البليغة المؤثرة كل هذا الانتشار والصدى الواسع في أرجاء المعمورة.. خاصة إذا ما علمنا أن الفاصل الزمني بيننا وبين العصر الذي عاشه زوج “طنبورة ” يمتد الى عقود طويلة من الزمن.. لكن مع هذا فقد حافظت الأجيال على مضمون هذا المثل الذي تولّد عند الإعرابي في لحظة مخاض عصيبة كانت تمر بها الأمة الربيعية… وتناقل الأحفاد تباعاً هذا الإرث والكنز الثقافي عن الآباء والأجداد وحافظوا عليه وأوصلوه إلينا بكل أمانة على الرغم من غياب وسائل الاتصال والتواصل والفضائيات.. وأجهزة الخزن أو الذاكرة “الرام ” أو “الفلاش ميموري” ولم يكن هذا الأعرابي يعلم أن شهرة زوجته “طنبورة ” سوف تفوق في يوم ما… شهرة… الملكة إليزابيث أو مدام كوري أو الخنساء أو النجمة الراحلة كَريس كيلي أو بريجيت باردو أو حتى إنجيلنا جولي !
ويبدو أن عائلتي ” طنبورة ” و “الطنبوري” محظوظتان لأنهما أنجبتا للإنسانية شخصيات ظلت تكرر أسماءها الشفاه وترددها الألسن.. فأبو القاسم الطنبوري التاجر البخيل الذي عاش في بغداد، صاحب أشهر حذاء أو “مداس” في التاريخ، كان كلما تهرأ منه موضع.. قام “الطنبوري” بترقيعه بجلد أو قماش، حتى امتلأ حذاؤه بالرقع واشتهر بين الناس وأصبح مصدراً للمتاعب والشؤم والبؤس، حتى بعد محاولاته الحثيثة للتخلص منه، فقد تسبب هذا الحذاء بفقره وفاقته، واضطر أبو القاسم الطنبوري حينذاك للجوء الى القاضي ليعلن براءته من الحذاء وما يمكن أن يسبب له من مشاكل هو في غنى عنها !
يعزو كثير من علماء الطب النفسي وعلم الاجتماع أهم أسباب “ديمومة” الأمثال الشعبية الى وجود المسببات والمسببين من “الأبطال النشامى” في كل زمان ومكان ليستمر استذكارها وأحياؤها وتداولها بين الناس.. خصوصاً بعد قيام بعض أفراد المجتمع بتصرف أو فعل غريب أو غير مألوف ما يجعلنا نبحث عن تطابق الفعل مع “المثل” لوضع “المثل” المناسب في الموضع المناسب !
لكن هنا وللأمانة التاريخية نقول لا يمكن التغاضي عن فضل “المسببين” في الحفاظ على هذه الأمثال وعلينا الاعتراف بذلك !
اليوم.. ندين لكثير من المحسوبين على الطبقة السياسية لإسهامهم في إحياء الكثير من الأمثال التي عفى عليها الزمن… ابتداءً من “طنبورة ” مروراًبأمثال: “يخوط بصف الاستكان” و “يثرد بصف الماعون” و “يغرد خارج السرب” و “عادت حليمة الى عادتها القديمة ” وغيرها.. لكن “طنبورة ” تقف في صدارة دوري الأمثال.. بسبب “تصريحات” البعض التي تصنف على أنها في وادٍ والظروف التي تمر بالبلاد في وادٍ آخر .. !
وفي موضوع ذي صلة.. كان الحاج أبو صادق متلهفاً لمتابعة آخر أخبار الحرب على الإرهاب وإذا به يشاهد مذيع نشرة الأخبار يسأل أحد النواب من المجددين لمقاعدهم في البرلمان .. عن خطر الإرهاب.. لكن “أبو صادق” فوجئ بأن النائب.. أخذ يتحدث عن أهمية التعجيل بعملية صرف “عيدية” النواب وتأثير ذلك على القضية المصيرية !
الحاج أبو صادق فقد أعصابه وهو يشاهد التلفاز.. وصاح بولده قائلاً: “تعال ابني طفّي التلفزيون . هذا بالدورة الماضية سوّالي ضغط وهسه راح يسويلي سكّر.. الظاهر هذا ميصيرله جاره.. هذا مثل طنبورة خاتون… عرب وين والحرب وين… والنائب الطنبوري وين !” .
ضوء
فاقد الشيء … لا يعطيه .. لجاره !
عاصم جهاد