‏مَنْ ذا الذي يُقرض الله ؟

-1-
اذا كان شهر رمضان ربيعاً للقرآن فلا ينبغي للانسان المؤمن أنْ يحرم نفسه من أنْ يرتع في رياضِهِ ، وانْ يطيل التأمل في ما يزخر به من جمال وجلال …

-2-
ونقرأ في كتاب الله العزيز قوله تعالى :
” مَنْ ذا الذي يُقرض اللهَ قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرةً واللهُ يقبضُ ويبسط وإلَيْهِ ترجعون “
البقرة /245
وقد جاء في التاريخ :
انّ أبا الدحداح حين نزلت هذه الآية قال :
فِداكَ أبي وأمي يا رسول الله !
انّ الله يستَقْرضُنا وهو غنيٌّ عن القرض ؟
قال :
” نعم
يريد أنْ يدخلكم الجنّةَ به “
قال :
فاني إنْ أقرضتُ ربي قرضاً يضمن لي به وَلِصِبيتي الجَنّة ؟
قال :
” نعم “
قال :
فَنَاوِلْنِي يدك ،
فناوله رسول الله (ص) يده ، فقال :
إنّ لي حديقتين : احداهما بالسافلة والأخرى بالعالية ،
والله لا أملك غيرهما ،
قد جعلتهما قرضاً لله تعالى
قال رسول الله (ص) :
” اجعل احداهما لله ، والأخرى دعها معيشةً لك ولعيالك “
قال :
فاشهدك يا رسول الله أني قد جعلتُ خيرهما لله تعالى ،
وهو حائط فيه ستمائة نخلة
قال :
” اذا يجزيك الله بِهِ الجنة “
فانطلق أبو الدحداح حتى جاء أمَّ الدحداح وهي مع صبيانها في الحديقة تدور تحتَ النخلِ فأنشأ يقول :
هداكِ ربي سُبلَ الرشادِ
الى سبيلِ الخيرِ والسَدادِ
بِينِي مِنَ الحائطِ بالودادِ
فقد مضى قرضاً الى التَّنادِ
الاّ رجاءَ الضِعْفِ في المَعادِ
فارتحلي بالنفس والأولادِ
والبِرّ لاشك فخيرُ زادِ
قدّمَهُ المرءُ الى المعادِ
قالت أم الدحداح :
ربح بيعُك ،
بارك الله لك فيما اشتريتُ، ثم أجابته وأنشأت تقول :
بشرّكَ اللهُ بخيرٍ وفَرَحْ
مِثْلُكَ أدّى ما لديهِ وَنَصَحْ
قد متّع الله عيالي ومَنَحْ
بالعجوةِ السوداءِ والزهو البَلَحْ
والعبدُ يسعى وَلَهُ ما قد كَدَحْ
طول الليالي وعليه ما اجترَحْ
ثم أقبلت أمُّ الدحداح على صبيانها تُخرج ما في افواههم ، وتنفض ما في أكمامهم حتى أفضت الى الحائط الآخر …
والمهم هنا :

اولاً :
سرعة المبادرة والاستجابة مِنْ قِبَلِ أبي الدحداح الى البذل والانفاق في سبيل الله، وهو دليل الايمان الصادق، وهذا هو المأمول منّا جميعا .

ثانيا :
وقوف زوجتهِ الصالحة الى جَنْبِه دون اعتراض أو ممانعة .
وهكذا ينبغي أنْ تكون الزوجةُ والاولاد حين يرون ربَّ الاسرة مسارعاً لأعمال البر والاحسان .
ثالثاً :
رأفة الرسول (ص) بأبي الدحداح وتوجيهه نحو الاحتفاظ بالبستان الأخر لئلا يقع هو وعائلته في ضيق وعسر …
ولقد كان (ص) رحمة للعالمين
رابعاً :
اذا كان أبو الدحداح قد سارع الى تقديم (كلِّ) ما يملك، فالمطلوب منّا أنْ نقدّم في هذا الشهر الفضيل ( بعضَ) ما نملك ، لاسيما مع تضخم أعداد الأرامل واليتامى والمساكين ، ووقوع الملايين من العراقيين تحت خط الفقر .
والتأسي بالرسول (ص) في هذا الشهر العظيم يدعونا الى الاسهام الفعلي في مواساة الضعفاء والفقراء .
لقد كان الرسول العظيم (ص) جواداً ولكنّه كان أجود ما يكون في شهر رمضان .
خامساً :
في الآية المباركة اشارات واضحة الى أنَّ ما يُنفق في سبيل الله تكون مردوداته الايجابية مضاعفة أضعافاً كثيرة .
هذا في الدنيا فضلاً عما ينتظره في الآخرة من نعيم الجنان .

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة