آلية تخصيص الواردات الاتحادية

سلام مكي
كاتب عراقي
كلما اقترب موعد مناقشة قانون الموازنة الاتحادية للعام المقبل، في البرلمان اتسع نطاق الاعتراضات من قبل نواب وسياسيين، على آلية توزيع الأموال، والتحدث عن وجود غبن لحق بمحافظاتهم، ومطالبتهم الحكومة بزيادة نسبة تخصيصات مدنهم. ممثلو المحافظات الغربية يطالبون بزيادة حصة محافظاتهم، كونها تعاني من تضرر كبير في البنى التحتية نتيجة للعمليات العسكرية التي رافقت تحريرها من داعش، وممثلو إقليم كردستان يطالبون بالابقاء على حصة الاقليم المعتمدة في السنوات السابقة والبالغة 17 % من الموازنة او الابقاء على النسبة المعتمدة وهي 12% إضافة للنفقات السيادية. إضافة الى ان محافظات الوسط والجنوب هي اصلا تعاني من عدم وجود بنى تحتية وتعاني ايضا من نقص كبير في الخدمات المقدمة للمواطنين. وبرغم ان الحكومة متوجهة نحو التصويت على مشروع القانون بصيغته الحالية وارساله الى مجلس النواب لغرض التصويت عليه، بغض النظر عن الاعتراضات المشار اليها، الا ان تلك الاعتراضات تكشف عن مشكلة، سيرتفع منسوبها عاجلا أم آجلا، وهي مشكلة تم حلها من قبل الدستور، ولا تحتاج الى تجاهل او اهمال لتتسع، بل تحتاج الى تطبيق النص الدستوري، والوقاية من الاعتراضات مستقبلا، اضافة الى ان تلك الاعتراضات، لها سند من الدستور، وهي فرصة مهمة لتطبيق النصوص الدستورية ذات الصلة، تحقيقا للعدالة في توزيع الثروة بين أفراد الشعب. الدستور أشار في المادة 111 الى ان النفط والغاز ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات. ولكون ان الموازنة الاتحادية، تتكون من مصدر رئيس واساس هو النفط، فإنه يكون لكل الشعب العراقي، ولا تفضل محافظة على محافظة أخرى حتى لو كانت منتجة. المادة 112 اشارت الى ان على الحكومة ان توزع وارداتها بنحو منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد مع تحديد حصة لمدة محددة للأقاليم المتضررة والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق والتي تضررت بعد ذلك، بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة وينظم ذلك بقانون. هذه المادة وضعت مبدأ عاما وهو النسبة السكانية في توزيع الموارد المالية بمعنى ان القاعدة العامة في توزيع الثروة هي النسبة السكانية، وهذا يعني وجود تعداد عام للسكان، يتم على ضوئه تحديد نسبة كل محافظة، ولكون ان الحكومة لم تقم بالتعداد العام للسكان منذ سقوط النظام ولحد الان، وهو استحقاق قانوني ودستوري ملح، ينبغي على الحكومة ان تقوم به، لضمان توزيع عادل للموارد. لكن ثمة بديل وهو الاعتماد على بيانات وزارتي التخطيط والتجارة، في تحديد نسب كل محافظة وهو ما لا يطبق أيضا في إقليم كردستان، اذ ان نسبة ال17% أعطيت من دون الاستناد على اي وثيقة رسمية. وحتى نسبة ال12% التي اعتمدت في موازنة العام المقبل، لا تعتمد على اي اساس قانوني. لذلك، يفترض بالحكومة وانهاء للنزاع بينها وبين الاقليم ان تعمد الى تطبيق السياقات التي تعتمدها في احتساب حصص باقي المحافظات ان تعتمدها في احتساب حصة اقليم كردستان. والأمر الأهم هو اجراء التعداد السكاني. الطريق الاخر لتوزيع الواردات الاتحادية وهو استثنائي ومؤقت، يتمثل بتخصيص حصة إضافية للمحافظات التي تضررت من سياسات النظام السابق، والتي تضررت فيما بعد لأي سبب كان، وهو ما يعني شمول المدن المحررة من داعش، ولكن لمدة محددة. واشترطت المادة لتطبيقها وجود قانون خاص لتنظيم عملية توزيع الواردات بالشكل المقرر. ونلاحظ ان المادة 106 من الدستور أشارت الى استحداث هيئة عامة لغرض مراقبة تخصيص الواردات الاتحادية، تتكون من خبراء في الحكومة الاتحادية والاقاليم والمحافظات وممثلين عنها تضطلع بمسؤولية التحقق من عدالة توزيع المنح والمساعدات والقروض بموجب استحقاق الاقاليم اضافة الى التحقق من الاستعمال الأمثل للموارد المالية وضمان الشفافية والعدالة عند تخصيص الأموال وفقا للنسب المقررة. ان استحداث هذه الهيئة مهم جدا، في ظل عدم تخصيص الموارد الاتحادية بشكل قانوني، والاعتماد على معايير قد لا تتطابق مع الدستور، على ان يتم تنسيب موظفين من دوائر أخرى اليها، ذلك ان تعيين موظفين جدد يثقل كاهل الخزينة ويزيدها اعباءً مالية إضافية.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة