لا تنمية من دون حريات.. فردية على الخصوص

كتاب «امارتيا سان» بعنوان «التنمية حرية» مضى على تأليفة اكثر من عقد من السنين لكنه ما يزال يحتفظ بأهميته بالنسبة للباحثين والمهتمين بقضية التنمية والاصلاح واعادة الاعمار وعلاقتها بالحريات ليس كنصوص على الورق بل وممارسات على ارض الواقع من قبل النخب والجماهير الغفيرة على حد سواء.
تولى ترجمة الكتاب الى العربية لصالح (عالم المعرفة) شوقي جلال وصدرت الطبعة العربية في مايو 2004، وقال عنه المترجم انه من أهم الكتب التي صاغت رؤية وإطارًا مفاهيميًا إرشاديًا يؤكدان أن التنمية – التطوير حرية، وهوعبارة عن خمس محاضرات ألقاها إمارتيا سان بوصفه زميلًا رئاسيًا للبنك الدولي في خريف 1996، ليعكس آراءه الخاصة عن «التنمية وصوغ السياسات العامة».
ويحدد الكتاب معالم دراسة تحليلية متكاملة عن الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تشمل ضروبًا مختلفة من المؤسسات، والكثير من القوى المتفاعلة. ويركز بخاصة على الأدوار والترابطات بين عدد مما اسماه بـ «الحريات الأداتية الحاسمة» بما في ذلك الفرص الاقتصادية والحريات السياسية والتسهيلات الاجتماعية وضمانات الشفافية والأمن الوقائي، وهو يؤكد في ذلك بوجود ثمة علاقة تكامل بين الفعالية الفردية والتنظيمات الاجتماعية من خلال محورية الحرية الفردية وقوة المؤثرات الاجتماعية على نطاق ومدى تحقق الحرية الفردية في الممارسة.
ويأتي ذلك التأكيد على أهمية دور المناقشات العامة بوصفها أداة التغيير الاجتماعي والتقدم الاقتصادي، ويسوق المؤلف في ذلك بعض الأمثلة التوضيحية: الحرية السياسية ونوعية الحياة، ومنها تساؤلات حول النظرة إلى التنمية من خلال زيادة إجمالي الناتج القومي أو التصنيع أو حالة التنافر بين نصيب الفرد من الدخل، وكذلك المعاملات والأسواق وافتقاد الحرية الاقتصادية، وهل لهذه التساؤلات من علاقة مع ما يُسميه «الحريات الموضوعية» التي يعني بها «المشاركة السياسية، أو فرص الحصول على التعليم الأساسي أو على الرعاية الصحية».
وهكذا نجد وجود علاقة مع تلك الحريات بأنها ليست تمثل فقط الغايات الأولية والأساسية للتنمية والتطوير، بل إنها أيضًا وسائلها الرئيسة، حيث تُسهم الحريات السياسية (في صورة حريتي التعبير والانتخاب) في دعم الأمن الاقتصادي، كذلك الفرص الاجتماعية (في صورة مرافق للتعليم والصحة) من شأنها أن تُيسر المشاركة الاقتصادية. وأيضًا التسهيلات الاقتصادية (في صورة فرص للمشاركة في التجارة والإنتاج) يمكنها أن تساعد على توليد وفرة شخصية، كذلك توليد موارد عامة للمرافق الاجتماعية، معنى هذا أن الحريات على اختلاف أنواعها يمكنها أن تعزز بعضها بعضًا، حيث إن هذه الروابط التجريبية تعزز الأولويات القيمية، ولكن إلى أي مدى يمكن أن توجد تلك الأفكار مساحة للنقاش حول البرامج التي يمكن أن تسهم في صياغة السياسات الملائمة لتلك العملية الإجرائية، بعيدًا عن حالة التنظير التي قد يُساء فهم مقاصدها إذا لم تكن هنالك مساحة أخرى لاستيعابها ضمن أطرها المجتمعية، وسياقاتها التجريبية التي قد تعمل على إيجاد المزيد من النقاش العام بشأن هذه المسائل الحيوية، خاصة إذا ما تم التعامل مع ما يطرحه إمارتيا سان من أسباب حول الأهمية الحاسمة للحرية الفردية في مفهوم التنمية وعلاقته هذا المفهوم بقضايا تقييمية ذات صلة بالتراث والثقافة والديمقراطية
وهنا تكمن قوة القاعدة الأخلاقية في مجال الحرية الإنسانية، والتي قد تؤكد نهج كتاب «التنمية حرية» إذا ما تم التعامل مع الناس أصحاب المصلحة في المشاركة من أجل اتخاذ قرار بماذا يريدون وماذا يقبلون مدعومًا بالأسباب العقلانية حتى لا تكون حججًا مبنية على اتجاهات متناقضة، إذا ما تم إغفال اهتمامات محورية وثيقة الصلة بسبب قصور الاهتمام بحريات الناس المعنيين. والحقيقة أن الحوارات الدائرة بشأن هذه الأمور والتي يمكن أن تفضي إلى دراسات سياسية مهمة يمكن أن تكون جزءًا من عملية المشاركة الديمقراطية المميزة للتنمية.
وبذلك تكون الحرية – كما يقول سان- عاملًا فعالًا وسببيًا لتوليد تغيير سريع في بناء إنسان جديد يتمتع بالرفاه والحرية معًا. وتتنوع وتتنافس ابتكارات المجتمعات على طريق الوصول إلى هدف واحد على الصعيد الحضاري، متنوع على صعيد آليات وأساليب التنفيذ والإنجاز ومحتواهما.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة