تواصل ثقافية الصباح الجديد نشر حلقات من كتاب: سرقة حضارة الطين والحجر للكاتب حميد الشمـري
الحلقة الثانية عشرة
تناولنا في الحلقة السابقة الدبلوماسية البريطانية وهي ترسم خط المؤامرة وقيامهم بالحفريات في التلال المحيطة بالموصل ولذر الرماد في العيون قام الوزير البريطاني الأقدم بكتابة رسالة ملاى بالمخادعة والتضليل إلى والي الموصل (تاهيار باشا) في 5- 3 - 1846 يطلب منه*(هناك كما يعرف سعادتكم ، في جوار الموصل كميات من الأحجار والبقايا القديمة وقد جاء شخص انجليزي الى هذه الأماكن للبحث عن مثل هذه الأحجار وقد وجد على ضفاف دجلة في أماكن معينة غير اهلة بالسكان ، أحجارا قديمة عليها صور وكتابات
كان القصر مبنيا على حافة حجرية قائمة على كتف نهر دجلة الذي يحادد أسوار المدينة وباستمرار الحفر قريبا من الثيران المجنحة عثر على جدران القصر الداخلية وكانت جميعها مغطاة بالألواح الجدارية من الرخام (الالباستر) ومنحوتة نحتا بارزا ملونا ومنقوشة بالكتابات المسمارية , وكان فنانو آشور ناصر أبلي في بداية العصر الآشوري الحديث هم مؤسسو مدرسة تزيين الجدران الداخلية للقصور الملكية والمعابد بالمنحوتات الجدارية والثيران المجنحة , عندها سارع لايارد بإخبار السفير كاننك عن اكتشافه وهذا بدوره أخبر المتحف البريطاني طالبا المزيد من الدعم المالي للايارد , وقد واصل حفرياته في القصر وفتح الكثير من قاعاته وغرفه أما بالحفر المباشر أو بواسطة الأنفاق وقاده هذا الحفر العشوائي إلى العثور على بوابة قاعة العرش التي يحرسها زوج من الثيران المجنحة العملاقة ومنها دخل إلى القاعة و قياسرها( 10×47 سم و كانت تضم ( 3 ) بوابات داخلية يحرسها( 3 ) أزواج من الثيران المجنحة إضافة إلى زوج رابع يتوسط القاعة وجميع جدرانها مغطاة بالمنحوتات البارزة الملونة , وكانت هناك أيضا زخارف جصية ملونة تعلو المنحوتات تصل حد السقف الذي يبلغ ارتفاعه ( 6 , 3 ) متر و في صدر القاعة جدارية كبيرة تعتبر المنحوتة المركزية (425x 190 وتمثل موضوعا طقسيا شائعا حيث يظهر الملك منحوتة نحتا بارزا مرتين بشكل متناظر محروسا بملاك مجنح وبينهما شجرة الحياة والخصب الآشورية التي يتبارك بها الملك ويطل على المشهد من الأعلى رمز الإله آشور وكانت كافة الزخارف و الحلي والملاس والطرز الموجودة على المنحوتات الجدارية ملونة بألوان قد اندثرت وبهت بريقها كونها مستخلصة من مواد عضوية قابلة للتلف.
المنصة وتدمير كرسي العرش
عثر لايارد أمام المنحوتة المركزية على منصة عرش الملك وهي من حجر الرخام الأزرق وقياسرها( 3 متر 40-2 متر) وتزن (15) طنا تقريبا مدون عليها سجل كامل لأعمال الملك الحربية والعمرانية وقد تركها لايارد في مكانها ولم يرسلها إلى المتحف البريطاني لأنها ليست منقوشة بالمنحوتات وهذا يبين مدى الجهل والانتهازية عنده لأنها تعتبر من أثمن القطع الأثرية الآشورية الوثائقية مدون عليها سجل لحوليات الملك وهي موجودة حاليا في متحف الموصل وعثر في القاعة ايضا على لوح جداري يمثل بورتريت جانبي كامل ورائع للملك
و في إحدى غرف القصر القريبة من قاعة العرش عثر على كنز كبير يتكون من الآثار العاجية والبرونزية من أواني وأسلحة وأدوات ومن ضمنها لقية نادرة هي كرسي العرش للملك أشور ناصر أبلي من الخشب والبرونز وأرجله من النحاس والعاج المطعم بالذهب إلا أنه أتلفه بسبب عدم وجود الخبرة في استخلاص مثل هذه الأثار وقريبا من الكرسي وجد لوحا جداريا متميزا ( 232 x 200 سم) يمثل الملك جالسا على نفس الكرسي –
وأخذا لايارد يساعده رسام يكشفان المزيد من غرف القصر بعضها مزين بالرسوم الجدارية فقط بدلا من المنحوتات الرخامية ولأنهما لم يكونا يعرفان كيفية التعامل معها وأهملا إعادة دفنها وبسبب عدم وجود رسام محترف بصحبتهما لتوثيقها وجميع هذه التقصيرات مسؤ ول عنها ألمتحف البريطاني أولا وهذان الحفاران ثانية فقد تسبب الجميع بتلف هذه الرسوم و ضياعها إلى الأبد , وتابعا حفرياتهما في القصر بواسطة الأنفاق تحت الارض الترابية إقتصادا وتقليلا لنفقات الحفر المباشر وكانت هذه الانفاق تدعم في الوسط بترك أعمدة ترابية ساندة أو باعمدة خشبية وتم بهذه الطريقة الكشف عن ( 3 () بوابة خارجية وداخلية يزينها جميعا ( 26 ) ثورا وأسدا مجنحا , وتتوزع الثيران والأسود المجنحة والمنحوتات الجدارية في أنحاء القصركما يلي ففي قاعة العرش لوحدها (3 ) بوابات خارجية يزينها (6 ) من الثيران والأسود المجنحة وفي وسط القاعة وبمقابل منصة العرش يوجد زوج من الثيران المجنحة العملاقة ذات مهابة خاصة , و( 44 ) منحوتة جدارية وفي الساحة الخارجية التي تطل عليها القاعة وجد ( 4 / أزواج من الثيران المجنحة و(14 منحوتة جدارية وفي قاعات وغرف القصر ألداخلية ( 8 ) أزواج من الثيران والأسود المجنحة و( 212 منحوتة جدارية . ولو صفت جداريات القصر جنب بعضها لتجاوز طولها ( 750متر) وكانت الثيران المجنحة والألواح الجدارية وقاعدة العرش أشبه ما تكون بالحوليات الملكية المصورة وبعد تتبع قياسات جدران القصر الخارجية تبين أن مساحته تقدر بحوالي خمسة وعشرون الف متر مربع
(في القصر الشمالي الغربي في النمرود م كانت مختلف فنون العمران والفن بما في ذلك بناء المعابد والقصور والحصون فيما بعد والنحت المجسم والنحت الناتئ والرسم تشترك سويا في خلق اندماج بين فن العمارة والفن التصويري الذي نجد فيه الالتحام المعماري للقصر الملكي والمعبد كوحدة كونية سامية , ذلك ان الرسم والنحت الناتئ لم يستخدما لغرض تزيين وجوه الجدران الخالية كمساعد لفن العمارة حسب , بل على العكس كان النحت المجسم والفن ذا البعدين يندمجان في ابتداع صيغة عضوية جديدة من الفن هي صيغة النحت المعماري)-
إشكالية حفر الأنفاق
(أن كل حجر يكون في مكانه الذي يعثر فيه عليه يكون له معنى ودلالة أثرية خاصة به وبمكان وجوده وعندما تنتزع الأحجار من مكانها وتتلف المخططات والخرائط تذهب معها جميع المعلومات والمعارف والتسلسلات التاريخية م وعندما تخرج الآثار من مكامنها بدون توثيق للطبقة والحالة التي وجدت فيها فإنها تكون شيئا قائما بذاته وتفقد الكثير من قيمتها التاريخية فكل أثر لس معه ما يدل على قيمته الفنية والتاريخية يصبح عديم القيمة م أما إذا دون عنه تقرير خاطئ حول مكان العثور عليه فإنه يصبح حجر عثرة في طريق العلم) .