في ظل تواصل القتال بين حزب العمال والجيش التركي
متابعة الصباح الجديد:
تزدحم الشوارع الرئيسية بمدينة ديار بكر التركية بالمتسوقين وبرجال يحتسون الشاي في يوم دافئ من أيام أوائل فصل الربيع فلا تبدو عليها علامات تذكر على الدمار الذي جلبته اشتباكات استمرت شهورا في العام الماضي بين مقتاتلين كورد وقوات الأمن.
غير أن الأزقة الضيقة تغلي بالغضب في حي سور التاريخي الذي شهد بعضا من أسوأ أحداث العنف حيث يحمل كثير من السكان مسؤولية ما حدث للدولة ولمسلحي حزب العمال الكردستاني.
ومن الممكن أن تحدد نظرة الناخبين في سور ومختلف أنحاء جنوب شرق تركيا الذي يغلب عليه الكرد للصراع الدائر منذ 33 عاما نتيجة الاستفتاء الذي يجري في أبريل نيسان بهدف منح الرئيس رجب طيب إردوغان صلاحيات جديدة كاسحة.
ويقول خبراء استطلاعات الرأي إن الناخبين الكرد الذين يمثلون خمس إجمالي الناخبين يمكنهم أن يرجحوا كفة الميزان إذا ما تقاربت الأصوات.
ويشير أحد سكان الحي ويدعى شركان إلى المباني التي بدت عليها آثار القصف وساحات الركام ويقول «انمحت بيوتنا وذكرياتنا وماضينا. والطرفان مسؤولان عن ذلك.»
فقد انهار في يوليو تموز 2015 وقف إطلاق للنار استمر عامين ونصف العام بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني فزج بجنوب شرق البلاد في آتون أسوأ أحداث عنف يشهدها منذ عشرات السنين.
وخلال العمليات الأمنية فيما تلا ذلك من شهور سقط نحو 2000 قتيل وتشرد ما يصل إلى نصف مليون حسب تقديرات الأمم المتحدة.
ويعتبر كثيرون من كرد تركيا البالغ عددهم أكثر من 15 مليون نسمة مدينة ديار بكر عاصمة ثقافية لهم ويمثل حي سور شبكة الشوارع في قلب المدينة الأثري تحيط به أسوار بازلتية بنيت في عهد الرومان.
قنابل وخنادق
عندما دخلت الدبابات تسحق في طريقها كل شيء للقضاء على مسلحي حزب العمال الكردستاني الذين حفروا خنادق وزرعوا المتفجرات اضطر عشرات الآلاف من السكان للرحيل.
وقال شركان رافضا ذكر بقية اسمه خوفا مما قد يحل به من انتقام «ما كان يجب أن يحفروا الخنادق وينصبوا المتاريس ويتمردوا على الدولة بهذا الشكل. لكن الدولة بالغت في الرد وأحرقت ودمرت».
ويؤيد حزب هدى بار الكردي الإسلامي الذي يناصره شركان التصويت بنعم في الاستفتاء لكن شركان يقول إنه ليس واثقا أنه سيصوت على هذا النحو.
ويقول حزب الشعوب الديمقراطي وهو الحزب الرئيسي ذو الجذور الكردية إن التصويت بنعم سيحكم قبضة زعيم استبدادي عازم على القضاء على المعارضة.
وقد سجنت السلطات آلافا من أعضاء حزب الشعوب بمن فيهم قياداته بتهمة الإرهاب فأصابت قدرته على شن الحملات بضربة كبيرة.
ويتهم إردوغان حزب الشعوب نفسه بدعم الإرهاب. وينفي الحزب وجود صلة تربطه بحزب العمال الكوردستاني الذي تعتبره تركيا وأوروبا والولايات المتحدة منظمة إرهابية.
ويقول خبراء استطلاع الرأي أن حوالي خمس الكرد أي أربعة في المئة من إجمالي الناخبين لم يحسموا رأيهم في التصويت. وتتباين نتائج الاستطلاعات الأخيرة على مستوى البلاد إذ يقدر بعضها أيا من المعسكرين بما يصل إلى 57 في المئة. وتشير أغلبية الاستطلاعات إلى ارتفاع نسبة الناخبين الذين لم يحسموا رأيهم.
وقال فاروق أجار رئيس شركة أندي-آر للاستطلاعات «من يستطيع إقناع الكرد الذين لم يحسموا الرأي سيخرج منتصرا».
ويقول إردوغان والملايين من أنصاره إن تركيا تحتاج مؤسسة رئاسة قوية لتجنب الحكومات الائتلافية الهشة التي مرت بها تركيا في الماضي.
أما معارضوه فيشيرون إلى اعتقال أو عزل أو وقف أكثر من 100 ألف من المدرسين والموظفين العموميين وجنود الجيش والقضاة والصحفيين في أعقاب الانقلاب الفاشل الذي وقع العام الماضي باعتبارها أدلة على ميله للاستبداد.
* الطفلة «نعم»
رغم أن حزب الشعوب الديمقراطي يحظى بدعم قوي في مناطق الكرد إذ حصل على أكثر من ستة ملايين صوت أي 13 في المئة من مجموع الأصوات على مستوى البلاد في الانتخابات البرلمانية في يونيو حزيران 2015 أي ما يقرب من 80 في المئة من الأصوات في ديار بكر فلا يزال إردوغان يتمتع بشعبية بين بعض الكورد من ذوي الميول اليمينية.
قال آرون شتاين الزميل الباحث بالمجلس الأطلسي «الناخبون الكرد ليسوا من أصحاب التوجه السياسي الواحد وتغطي ولاءاتهم السياسية مختلف الأطياف العقائدية».
في قرية جيسيتلي على بعد 80 كيلومترا غربي ديار بكر أطلق مصطفى جيليك (43 عاما) على طفلته الوليدة اسم «إيفيت» أي «نعم» لإبداء شعوره بالعرفان لإردوغان على ما قام به من تخفيف أو إلغاء قيود ثقافية قديمة.
وأضاف وهو يجلس بجوار مهد وردي اللون تنام فيه طفلته «بوسعنا الآن التحدث باللغة الكردية. وتوجد محطات تلفزيونية باللغة الكردية. هذا كله من صنعه».
وقد بدأ إردوغان محادثات سلام مع حزب العمال الكوردستاني في خطوة لم يخطوها زعيم تركي قبله. غير أنه استبعد العودة إلى مائدة التفاوض منذ انهيار وقف إطلاق النار وقال إن قوات الأمن ستقضي على المسلحين. ودعم ذلك حجم التأييد الذي يتمتع به بين القوميين وبعض الكرد.
وقال مهفاهير أوجولكوم أحد حراس القرى الكردية المتطوعين وهو يرشف الشاي خارج موقع عسكري في بلدة كولب الريفية على بعد 140 كيلومترا شمال شرقي ديار بكر «ما دام العلم التركي يرفرف فوقنا فلا حاجة بنا لعلم آخر أو دولة أخرى».