متابعة ـ الصباح الجديد:
خص ملك المغرب، محمد السادس، الجزائر بجزء مهم من خطابه الأخير، وجدد دعوته لتجاوز الخلافات التي اشتدت ووصلت حد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وفي ظل غياب رد رسمي جزائري حتى الآن على الدعوة، استبعد مراقبون أن يحدث الخطاب انفراجا في الأزمة بين الجارين.
ودعا محمد السادس في كلمة بمناسبة عيد العرش في المملكة، المغاربة إلى “مواصلة التحلي بقيم الأخوة والتضامن، وحسن الجوار”، مع “الأشقاء الجزائريين، الذين نؤكد لهم بأنهم سيجدون دائما، المغرب والمغاربة إلى جانبهم، في كل الظروف والأحوال”.
وتابع محمد السادس أن “الحدود، التي تفرق بين الشعبين الشقيقين، المغربي والجزائري، لن تكون أبدا، حدودا تغلق أجواء التواصل والتفاهم بينهما”.
يقول أستاذ العلوم الدستورية المغربي، رشيد لزرق، إن “ المغرب ينهج سياسة اليد الممدودة، وعدم مجاراة النظام الجزائري الذي يتبع سياسة صد الأبواب التي وصلت إلى حدود سحب السفير، وقطع الحدود البرية والجهوية”.
وبالنسبة لمآل الدعوة المغربية فيرى لزرق أن “الكرة الآن بين يدي حكام الجزائر ليتحملوا أمام الحاضر و المستقبل مسؤولية القطيعة”.
لكن كيف يقرأ الجزائريون الدعوة الملكية؟
يرى الدبلوماسي الجزائري السابق، محمد العربي زيتوت، أن “اليد المدودة المغربية” أمر مزعج للنظام الجزائري، وتستقبل بشكل مختلف في الداخل” مشيرا إلى “أنهم يعتقدون دائما أن الأمر لا يتعدى كونه “خطابا دبلوماسيا”.
ويشير زيتوت إلى أن خطاب “اليد الممدودة” مزعج للجزائر أمام الرأي العام الجزائري.
وتدهورت العلاقات بين البلدين، عندما أعلنت الجزائر في أغسطس قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، متّهمة المملكة بارتكاب “أعمال عدائية” ضدّها. وردّت الرباط معربة عن أسفها لهذا القرار ورفضها “مبرراته الزائفة”.
وبالنسبة لزيتوت فإن قضية “العدو الخارجي” مهمة للقادة في الجزائر” إذ أنهم يستلهمون من مقولة ميكيافلي للأمير الذي كان يوصي بأنه إذا لم يكن لك عدو، عليك بصناعته، وهم دائما يصنعون عدوا داخليا وخارجيا هذه المرة في الداخل العدو هو حركتي رشاد وماك وفي الخارج المغرب”، بحسب تعبيره.
صمت رسمي جزائري
ويقول المحلل السياسي الجزائري، توفيق بوقعدة، “اعتقد أن الصمت الجزائري له ما يفسره في ممارسات الواقع للمملكة المغربية، حيث طالما عاكست الوقائع والتصرفات المغربية ما تقوله، ففي الوقت الذي يتحدث العاهل المغربي عن عدم القبول بالانتقاص من الجزائر وشعبها يشن إعلامه حربا قذرة ضدها”، بحسب تعبيره.
ولم يتطرق الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في لقاءه مع الصحافة المحلية، الاثنين الماضية ، إلى خطاب الملك، كما لم يتناول الإعلام الجزائري الرسمي الخطاب المغربي، فيما رد بعض السياسيين الجزائريين على مضامين الخطاب.
وقال عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم، امس الاول الثلاثاء، إن “تصريحات العاهل المغربي محمد السادس حول الجزائر، كانت ستكون جيدة لو لم تقم الرباط بما ينسفها مسبقا، بدعم حركة انفصالية عميلة وكذا جلب إسرائيل إلى حدودنا وتهدبد الجزائر مباشرة”.
وقال مقري في بيان على صفحته بموقع فيسبوك: إن التصريحات التي أدلى بها الملك المغربي جيدة لو لم يكن ثمة ما يناقضها. كان من الممكن أن تحل المشاكل القائمة بين البلدين بالصبر والروية والنوايا الحسنة والإجراءات الإيجابية من الطرفين والإدارة الجيدة للأمور الخلافية مهما كان عمقها، وكان من الممكن أن ينخرط المجتمع المغربي والجزائري الواحد في المساهمة لتذليل الصعوبات وإعانة المسؤولين على التقارب لو لم تقم السلطات المغربية بما ينسف كل ذلك”.
الإعلامي المحلل الجزائري، حكيم بوغرارة، يرجع الصمت الرسمي الجزائري إلى كون أسباب الخلاف وقطع العلاقات مع المغرب لاتزال قائمةّ.
ويقول بوغرارة إن “المغرب لم يقم بأي خطوة لنزع فتيل هذه الأسباب التي أدتت إلى قطع العلاقات وأهمها التطبيع مع إسرائيل والسماح للمسؤولين الإسرائليين الذين زاروا المغرب بالتهجم على الجزائر واتهامها بأنها حليفة لإيران وأنها تمكن عناصر حزب الله من تدريب عناصر البوليساريو”.
ويشير بوغرارة إلى أن “كل هذه ادعاءات تعتبرها الجزائر باطلة وبالتالي الصمت الجزائري هو نابع من أن المغرب لم يعالج الأسباب التي دفعت الجزائر إلى قطع العلاقات”.
واتهمت الرئاسة الجزائرية في نوفمبر الماضي المغرب بقصف شاحنتين جزائريتين وقتل ثلاثة من مواطنيها في الصحراء الغربية التي يدور حولها منذ عقود نزاع بين المغرب من جهة وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر من جهة ثانية.
دعوة المغرب والقمة العربية في الجزائر
المعارض الجزائري، وليد كبير، استبعد أن تلقى دعوة ملك المغرب تجاوبا جزائريا، قائلا “هذا اليد المدودة لن يستغلها النظام رغم أنه على موعد مع احتضان القمة العربية في شهر نوفمبر وهو بحاجة إلى حضور جميع الدول الأعضاء وأن عدم حضور المغرب هو بمثابة فشل لهذه القمة”.
ويضيف كبير “هناك احتمال ضئيل لحدوث انفراج لكن يبقى لنا أمل بما يخدم مصلحة الشعبين”.
وتشهد الحدود بين البلدين توترا دائما، وكان المغرب أحدث منطقة عسكرية في شرق البلاد على الحدود مع الجزائر، شهر فبراير الماضي، بحسب ما أوردت مجلة القوات المسلحة الملكية في عددها الأخير.
وبحسب المحلل السياسي الجزائري، توفيق بوقعدة، الذي يرى أن “حديث الملك المغربي أعطى مسكنات للأزمة الدبلوماسية في الفترة الراهنة والدليل على ذلك عدم تعرض الرئيس الجزائري في حديثه الدوري مع الصحافة إلى الأزمة مع المغرب سلبا أو إيجابا، وهذا في حد ذاته مؤشر إيجابي في تصوري”، بحسب تعبيره.
وتابع المحلل الجزائري، “الكرة الأن في ملعب المملكة المغربية بتقديم اعتذارها أولا عما صدر عن ممثلها في الأمم المتحدة عمر هلال وحديثه عن منطقة القبائل”.
ولا تعد هذه المرة الأولى التي يدعو فيها العاهل المغربي الجزائر للحوار، وسبق له أيضا أن اقترح أواخر العام 2018 تشكيل “آليّة سياسيّة مشتركة للحوار” من أجل “تجاوز الخلافات” القائمة بين الجارين، داعيا إلى فتح الحدود البرية المغلقة منذ العام 1994. لكن الاقتراح لم يلق استجابة.
لكن “الخلافات أصبحت عميقة ولا يمكن حلها بخطاب عبر الإعلام” بحسب المحلل الجزائري بوغرارة في حديثه لموقع قناة الحرة، ويضيف “الجزائر عبرت عن أسفها للخلافات والدرجة التي وصلت إليها ولكنها تحمل دائما المغرب المسؤولية في هذا التدهور الحاصل في العلاقات منذ حوادث اتهام المغرب للجزائر بتفجيرات 1994 وفرض التأشيرة على الجزائريين”.
هل وصلت العلاقات إلى نقطة لاعودة
ويرى الدبلوماسي الجزائري السابق، زيتوت، أن العلاقات تدهورت بشكل كبير ويذكر في حديثه للحرة أن “قائد الجيش الجزائري تحدث في 2016، عندما كان قائدا للناحية العسركية الثالتة المجاورة للجنوب المغربي، عن العدو المغربي وهذا لم يكن موجودا آنذاك، ولم يكونوا في الجزائر يتحدثون عن العدو المغربي بل كانت هناك شبه حرب باردة وكانت العلاقات الدبلوماسية قائمة”. وفي الوقت الذي تزعج الدعوة المغربية الجزائر أمام الرأي العام الداخلي، إلا أن هناك أيضا غضبا لدى هذا الرأي العام من المغرب، بحسب الدبلوماسي السابق زيتوت.
وتعتبر الجزائر أن تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، برعاية أميركية، موجه ضدها، وهو التطبيع الذي تضمن أيضا اعتراف الولايات المتحدة بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، أواخر العام 2020.
ومسألة الصحراء الغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة التي تعتبرها الأمم المتحدة “منطقة غير مستقلة”، سبب رئيس للخلاف منذ عقود بين المغرب والجزائر التي تدعم جبهة البوليساريو المطالبة باستقلال الصحراء عن الرباط.