زهير بهنام بردى غواية الغائب في الرؤيا

تظلُّ القصيدة دائما أفقاً للغواية، ليس لأنها تساكن الاستعارة والمجاز والتورية، بقدر ما أنها اللعبة الفائقة للشاعر، وهو يراود عبرها اللغة، حيث استكناه ما تحمله من هواجس، وما تثيره من أسئلة فاجعة، تلامس قلق الشاعر، وشغفه العميق في استحضار ما هو غائب في الرؤيا وفي اللذة..
الشاعر زهير بهنام بردي يعلن عن إشهاره في كتابة نص الغياب، إذ يستحضره بوصفه نصه الشخصي، أو بوصفه نص مزاجه في التعبير عن وحشة الجدب، فلا شيء- هنا- سوى القصيدة/ اللعبة/ المراودة، حيث (تتسع الرؤيا، وتتسع العبارة) أيضا، فكلاهما يمارسان وظيفة الترميز، والاستعارة، وكلاهما يمارسان وظيفة الاستثارة، وبما يجعلهما أكثر تبديا في مقاربة غريزة البوح، واستدعاء الأنثى بوصفها التعويضي/ الاشباعي، أو بوصفها القاموس الحسي الذي يستدعي من خلاله ماهو غائب في نص اللذة، ونص الخلق، ونص التفاصيل، تلك التي يكتبها/ يقاربها بوصفها جسدا، أو بيتا، أو غيابا له شفراته الموحية..
في كتابه الشعري(العاشرة نساء) الصادر عن دار أمل الجديدة/ دمشق/ 2017 تتبدى هواجس الشاعر وكأنها محاولة في البحث عن الخلاص، إذ لا شيء هناك سوى الجحيم، ولا مجسّ له سوى اللغة، ولا ملاذ له سوى الأنثى.. فوسط هذه التقاطعات تتثمل القصيدة كل استيهامات الشاعر، حيث روحه اللائبة، توقه للذة، نزوعه للتطهير، حتى بدت قصائد الكتاب وكأنها محاولة في استدعاء ذلك الغائب، عبر كتابة نص الاعتراف..
(شفرة لغة النثر) هي الاستهلال الأولي للكتاب، يقترح له الشاعر توصيفا طقسيا( كلما فُتح باب الفجر) ليكون الأكثر تمثلا لاستيهامته، فهو رهانه الوجودي والتعبيري، مثلما هو رهانه الجمالي الرويؤي، وبقدر ما استطاع الشاعر أنّ يضعنا أمام فضاء شعري متوهج، فإنه كان أكثر خفّة في التعبير أنسنة نص الغائب، ليس بوصفه الأسطوري، بل بشغفه الانساني، بتفاصيله، بذاته التي تستعيده عبر القصيدة بوصفه مُتكأً، عصاً، ذاكرة لم تزل مشبوبة برائحة الأنثى، وسحر أمكنتها وغيابها..
// لا أنتِ اللغة الغواية، ولا أنتِ الكتابة التجريب، تعالي اليَّ، فالحياة تمضي في غواية، والماضي في العتمة يتأوه في كتابه، تعالي الى آخر نافذة تتدلى من سرير الليل، منذ طفولتي تركتها هكذا مفتوحة لكي تأتين،
تعالي، فأنتِ اللغة، وأنا الكتابة//
تنحاز قصائد زهير بردى الى مايشبه الهاجس العرفاني/ التطهيري، تحضر الأنثى بوصفها رمزا، أو تعاليا، ويحضر الشاعر بوصفه رائيا لتحولاتها عبر الجملة، والصورة واللذة. مابين الرمز والرؤيا تتلبّس القصيدة غواية التمثّل، وحدسية الترقّب، حيث يتقصّى ثنائيات حضوره وغيابه، صحوه وسكرته، ويحفّز جملته الشعرية على أنْ تكون زوادته في تأطير نص الاستدعاء، استدعاء الأنثى الغائبة، وبغديدا الباحثة عن البحر، وفي التعبير عن طقوس القداس والقربان و(فصح البراءة) إذ يصغي الشاعر الى روح الأمكنة والنساء وهنّ يحملنّ التعاويذ، بحثا عن ذلك الغائب والممحو..
وبقدر ما كانت تلك القصائد مسكونة بالهاجس، فإنها تشتغل على دلالة الجسد بوصفه الفضاء الحضوري المحتشد بالرموز، والجوهر الأكثر تمثلا لمقاومة الغياب عبر فكرة الخلق، إذ ينشدّ الشاعر الى قدّاس الحواس، وكأنها هي التي تؤثث اللغة بالمزيد من الاستعارات، وتساكن روح الشاعر المغوية والمضطربة، والمشغولة بمراثي الغائب، حدّ أنَّ قصائد الكتاب الشعري تبدو الأقرب الى هاجس القصيدة الواحدة التي تتسع، لكنها تتشظى الى معانٍ لا تختلف كثيرا، ولا تخرج عن غواية الشاعر في أنْ يلتذ، ويسوح، ويتناول في قداسه التطهيري، لكي يواصل عبر احدى وعشرين قصيدة كتابة قصيدته في الاستدعاء الغائب الحسي الغائر في روح الانثى وفي روح المكان/ بغديدا…
علي حسن الفواز

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة