هو فرع بحري يتصل ببحر مرمرة عن طريق مضيق الدردنيل تطل عليه كل من تركيا واليونان. تحول بفضل الفوضى السياسية والأمنية التي تمر بها الكثير من مناطق الشرق الأوسط وبنحو خاص سوريا والعراق؛ الى ما يشبه الثقب الأسود الذي تتعرض فيه أحلام مئات الأسر المسالمة الى الاغتيال. آخر ضحاياه 35 شخصا صعدوا على ظهر مركب لا يتسع لأكثر من عشرة أفراد، لم ينج منهم سوى شخص واحد وبأعجوبة وهي السيدة مهاباد اسماعيل علي، من أهالي مدينة زاخو، والتي فقدت في تلك الرحلة المشؤومة زوجها وأولادها الخمسة، وبفضل نجاتها تمكنت قوات الأمن في مدينة أزمير، من العثور على المهربين الأربعة (تجار الموت) وإلقاء القبض عليهم. أربعة عشر من الضحايا الذين تم التعرف عليهم تبين أنهم كورد ومن محافظة دهوك، وما زال مصير الباقين مجهولاً. الى هنا تنتهي قصة آخر قافلة تبتلعها امواج بحر ايجة المظلمة، لكن السؤال الذي يتم الالتفاف عليه دائماً هو؛ ما الذي دفع هذه الاسر المسالمة الى مثل هذه الرحلات المشؤومة..؟
يفترض ان يتكفل في الإجابة على هذا السؤال وغيره من الأسئلة التي تدفع بهذه الأسر المسالمة الى مثل هذه المصائر المأساوية؛ الكتل والأحزاب والسلالات المالكة والجماعات التي تنطعت لمسؤولية بناء التجربة الفتية في بغداد وأربيل. ان مثل هذه الهجرات الجماعية وبنحو خاص من مناطق إقليم كوردستان، تشير وبما لا يقبل الجدل الى مستوى الانحدار في شروط الحياة وتقلص الفرص والآفاق أمام سكانها للعيش الحر والكريم. لكن جميع المعطيات تشير الى ان مثل هذه الحوادث المؤلمة، ستمر مرور الكرام أمام هذه القبائل السياسية المهيمنة على هذه التضاريس المنحوسة الممتدة من الفاو لزاخو، وستلتحق بكثبان الأضابير المنسية لفواجع ومآسي هذه مضارب نكبت بالعوائل المقدسة. لا احد منهم سيلتفت قليلاً الى ما عاشته تلك الاسر مع أطفالها من رعب ووحشة في لحظاتهم الأخيرة وسط عتمة وقسوة امواج بحر ايجة، لا شيء سوى بيانات حكومية بائسة لاسترداد جثامين الضحايا الذين قذفتهم أمواج ذلك البحر الى الشواطئ.
في زمن ما وقبل أن تمنح الأقدار سكان كوردستان فرصة تقرير مصيرهم عبر ما كان يطلق عليه بـ “حركات التحرر الوطني والقومي” كتب شاعرهم الخالد عبد الله كوران عن بطولة وصمود اهلها ومحاربيها قائلاً: (كوردي وصخرة وبندقية وكيس تبغ، وليتقدم العالم كله) تجسيدا لتمسك الكورد بأرضهم وأرض اجدادهم واحلامهم وتطلعاتهم المشروعة في العيش الحر والكريم. هكذا كان الأمر قبل أن تقع مقاليد امور جبالهم وسهولها وصخورها بيد دعاة القومية والامة الكوردية الواحدة، ليشاهد العالم كله قوافل الكورد وهي تترك كوردستانها أفواجاً صوب المنافي، لتتحول تدريجياً الى احدى أكثر المناطق الطاردة لسكانها في العقود الاخيرة. مثل هذه الحوادث المأساوية كفيلة بدفع ارفع الشخصيات السياسية لتقديم استقالتها والاعتذار من روح اولئك الضحايا الذين واجهوا مثل تلك المصائر بسبب من سياساتهم البعيدة عن الحكمة والمسؤولية، لكن لا حياة لمن تنادي، حيث تستمر السلالات الكوردية الحاكمة بفرض هيمنتها وترسيخ نفوذها عبر الاستئثار بالمزيد من السلطة والمغانم والثروات، لتمهد الطريق أمام الأجيال الجديدة من سلالاتهم ذات الدم الأزرق، أما المستضعفين في الإقليم فلا بواكي لهم…!
جمال جصاني
بحر ايجة.. نهاية حلم
التعليقات مغلقة