سلام مكي*
لم تجد الأحداث الأمنية الفادحة المتمثلة بخروج محافظة نينوى وبعض المدن التابعة لمحافظات أخرى على يد الجماعات المسلحة، لم تجد صدى على الساحة السياسية سوى الخطاب الطلب الذي تقدمت به الحكومة الى البرلمان بالانعقاد والتصويت على إعلان حالة الطوارئ. وبالفعل تم تحديد يوم 12/6 موعدا للجلسة، أي قبل انتهاء عمر البرلمان بيومين فقط! وعقد الجلسة، وحضر نواب، كلهم رغبة وأملا في تحقق النصاب القانوني ومن ثم التصويت على إعلان حالة الطوارئ التي ستمنح رئيس الوزراء صلاحيات أوسع من صلاحياته الحالية، ولكن رغبتهم لم تتحقق لعدم اكتمال النصاب، كون الحضور اقتصر على نواب تابعين لقائمة رئيس الحكومة فقط، وبعض من التحالف الوطني. هذا الفشل خلف ردود أفعال متباينة لدى الشارع العراقي، فحسب تقارير صحفية واستطلاعات، قامت بها مؤسسات إعلامية، عدّ المستطلع آراءهم، المتخلفين عن حضور الجلسة الاستثنائية خونة و ضد الجيش ومع داعش! مع العلم ان كثيراً منهم لا يدرك جيداً، مفهوم حالة الطوارئ ولا الآثار المترتبة على إقرارها، وما هي الجدوى من إقرار حالة الطوارئ في الوضع المتأزم والخطير الذي يمر به العراق، وماذا يمكن ان يقدم للحكومة فيما لو اقر.
من المعلوم ان الدستور قد نظم هذه المسألة في المادة61 تاسعاً عندما أعطت مجلس النواب صلاحية الموافقة على إعلان حالة الطوارئ بأغلبية الثلثين وبناءً على طلب من مجلسي الرئاسة والوزراء قابل للتمديد بعد انتهاء مدته وهي شهر فقط. والغرض من هذا الإجراء هو إعطاء صلاحيات إضافية لرئيس الوزراء تمكنه من إدارة شؤون البلاد خلال مدة إعلان الطوارئ أو الحرب. بشرط ان لا تتعارض الصلاحيات الجديدة مع الدستور. وهنا تكمن الاشكالية. حيث ان اغلب تلك الصلاحيات هي تستهدف الحقوق والحريات التي كفلها الدستور ولا تستهدف شيئاً آخر.
وان هذه الصلاحيات ينظمها قانون وهو أمر الدفاع عن السلامة الوطنية رقم1 لسنة 2004 الذي يمنح رئيس الوزراء صلاحية تقييد حريات المواطنين وإلقاء القبض عليهم من دون مذكرة قبض صادرة من القضاء في الحالات الملحة! وكذلك تقييد الحق بالسفر والتنقل واحتجاز المشتبه بسلوكهم وتفتيش المنازل. مع العلم ان هذه الإجراءات خاضعة للرقابة القضائية، الذي يمكنه ان يبطل أي إجراء يرى انه غير ملح. وفي فقرة أخرى، لرئيس الوزراء ان يفرض حظرا للتجوال في المناطق التي تشهد تهديداً خطيراً للأمن أو تشهد تفجيرات أو عمليات مسلحة معادية. السؤال هنا: ما علاقة الأحداث التي شهدتها الموصل بهذه الصلاحيات؟ ان المدينة قد سقطت بالكامل وخرجت عن سيطرة الدولة العراقية، فلا يمكن ان تحل المشكلة بالسماح لرئيس الوزراء باعتقال المواطنين من دون إذن القضاء او تفتيش مساكنهم او منعهم من التنقل، ثم ان هذه كلها إجراءات تخالف الدستور مخالفة صريحة في حين الدستور قد شدد على ان القانون الذي يتضمن صلاحيات رئيس الوزراء يجب ان لا يخالفه وإلا عدٌ باطلا.
ثم كيف يمكن لرئيس الوزراء ان يفرض حظرا للتجوال في الموصل وهي غير خاضعة لسيطرته؟ وما الجدوى من فرضه في بغداد مثلا والقتال في محافظة أخرى؟ ومن خلال قراءة الموقف الشعبي، تبين ان العراقيين متنازلون عن حرياتهم وحقوقهم المدنية والسياسية لأجل ان تتحقق رغبة شخص واحد يتصورون انه المنقذ الوحيد او السد المنيع ضد أعدائهم. والمشكلة انهم شاهدوا بأم أعينهم انهيار هذا السد وثبوت عدم صلاحيته للبقاء مدة أطول في منصبه.
وضع الموصل الآن وخروجها عن سيطرة الدولة والأثر النفسي الكبير الذي خلفته الطريقة التي تمكن المسلحون من خلالها السيطرة عليها يبدوان أكبر من مجموعة عواطف طارئة لشريحة من العراقيين وأكبر حتى من كتلة سياسية ترى بأنها الأحق والأجدر بحكم البلد، فالوضع الآن يبدو كارثياً في ظل التوسع المستمر للمسلحين على المناطق المجاورة للموصل وغياب الموقف السياسي والشعبي الموحد إزاء هذه الكارثة، حيث ان كل طرف يحمل الآخر مسؤولية ما جرى. إضافة الى عدم امتلاك رئيس الوزراء طريقاً يمكنه من الخروج من المشكلة الذي وضع نفسه والعراق فيها، في ظل وجود جيش من المستشارين لديه، وكبريائه الذي جعله يتصور نفسه بأنه الأجدر والأكفأ لإدارة الدولة. وما طرحه في خطابه القلق والمرتبك من مفاهيم ومصطلحات التعبئة العامة والنفير والإنذار لا قيمة قانونية ودستورية لها.
كون لم ينص عليها أي قانون، ودعوته الشباب للتطوع وتشكيل جيش رديف وتسليح كل من يريد السلاح لمقاتلة داعش لهي إجراءات غير دستورية ولا قانونية ولا تنتج أي أثر سوى عسكرة المجتمع والعودة به الى أجواء النظام السابق. فالحكومة تصرف سنوياً مليارات الدولارات على عقود التسليح ورواتب للجنود، حيث تأخذ اللقمة من فم العراقيين بحجة دعم الأمن، والعراقي حين يرى ثروته تصرف لأجل الجيش والقوات الأمنية، من حقه ان يرى آثاراً لذلك، من حقه ان يجد جيشاً قوياً يستطيع تحمل مسؤولية الدفاع عن الوطن بالنيابة عن الشعب. بالتالي: فمن غير المعقول ان الجهة التي سلبت العراقي أمواله على عقود ورواتب تريد الآن ان تجعله وقوداً لحربها ضد الإرهاب بسبب فشلها في استثمار تلك الأموال. وفي تصريح صحفي لإحدى الشخصيات الموالية لرئيس الوزراء، قال بأن رئيسه سيضطر الى اللجوء الى المحكمة الاتحادية للحصول على صلاحيات إضافية في حال رفض البرلمان لذلك، على الرغم من ان المحكمة الاتحادية لا تملك صلاحية كهذه وان الدستور لم يشر الى إمكانية منحها رئيس الوزراء صلاحيات إضافية لا من قريب ولا من بعيد. هذا التصريح إنما يدل على جهل مطبق بالدستور والقوانين من قبل المسؤولين في الدولة، خصوصاً أولئك الذين يتبعون رئيس الوزراء.
وكلما يفشلون في تمرير قانون يحقق لهم مكاسب أو يمرر قانون ضدهم رغما عنهم يلجأون الى المحكمة الاتحادية للطعن به، وغالبا ما تحقق لهم الأخيرة ما يريدون، ويبدو أن النائب تصور ان البرلمان شرع قانوناً لا يريده فقرر ان يلجأ الى الاتحادية كعادته، ونسي ان الوضع مختلف هنا.
*كاتب عراقي