الخصوصية منذ سنودن

مارك ستيفنز*

لقد مرت سنة منذ ان قام متعاقد الاستخبارات الأميركي السابق ادوارد سنودن بالكشف عن النطاق الهائل لمراقبة الانترنت من قبل وكالة الامن القومي الأميركي. ان ما كشفه سنودن قد نتج عنه حالة من الغضب العارم لدى الناس وانتقادات حادة من الحلفاء المقربين للولايات المتحدة الأميركية مثل المانيا مما قلب الافتراضات الوردية عن مدى الحرية والامان في الانترنت وشبكات الاتصالات . لقد تمكن سنودن بمفرده من تغيير كيف يتعامل الناس مع هواتفهم واجهزة الاي باد والكمبيوترات المحمولة العائدة لهم كما انه اثار نقاشات عامة عن حماية البيانات الشخصية ولكن ما كشفه سنودن لم يؤد بعد الى حصول اصلاحات مهمة.
للتأكيد فإن الرئيس الأميركي باراك اوباما بحافز من تحالف منظمات المجتمع الدولي وقطاع التقنية قد عمل شيئا فلقد أمر اوباما في خطابه في يناير الماضي وفي التوجيه الرئاسي المتعلق بالسياسات المرافق لذلك الخطاب الجواسيس الاميريكان بإن يدركوا انه « يجب معاملة جميع الناس بكرامة واحترام بغض النظر عن جنسيتهم أو مكان سكناهم وان جميع الناس لهم مصالح شرعية في الخصوصية فيما يتعلق بكيفية التعامل مع معلوماتهم الشخصية».
ان هناك بعض الخطوات المحددة وغير المسبوقة للأمام في عالم وكالات الاستخبارات الغامض قد رافقت هذا الالتزام الخطابي بالخصوصية فعندما قامت شركات التقنية بمقاضاة الحكومة من اجل الافراج عن تفاصيل تتعلق بطلبات الاستخبارات تمكنت ادارة اوباما من التوصل الى تسوية تقضي بالسماح بالمزيد من التقارير المفصلة وبموجب هذه الاتفاقية فإن للشركات الخيار بنشر ارقام تتعلق بطلبات المعلومات التي تقدمها وكالات الاستخبارات بحدود 250 أو 1000 وهذا يعتمد على درجة التفصيل المتعلقة بانواع هذه الطلبات.
بالرغم من ان هذا يمثل خطوة للأمام فإن هذا لا يعد كافيا بالمرة فهناك ثغرات قانونية كبيرة تمنع الكشف عن بعض من اكثر برامج وكالة الامن القومي شهرة من حيث سمعتها السيئة مثل تجميع سجلات الهاتف بموجب القسم 215 من قانون المواطنة الأميركي كما ان اوباما احتج على اهم توصيات مجموعة المراجعة المستقلة والتي قام هو نفسه بتعيينها . ان قانون الحرية الأميركي والذي كان الهدف منه وقف التجميع الشامل لسجلات الهواتف الأميركية قد تم تخفيفه عن طريق مجموعة من التعديلات والتي سوف تمكن الحكومة من الاستمرار في جمع البيانات الوصفية عن ملايين الاشخاص من دون موافقتهم . ان هذه البيانات الوصفية – والتي تغطي من نتحدث معه ومتى وفترة المكالمة- يمكن ان تكشف معلومات عن حياتنا الشخصية توازي المحتوى نفسه.
الاسوأ من ذلك فإنه مقارنة ببقية العالم فإن الولايات المتحدة الأميركية قد اتخذت أقوى الاجراءات منذ ان بدأت تسريبات سنودن وبالطبع فإن سنودن كشف عن نشاطات المراقبة التي تقوم بها الحكومة الأميركية اكثر من أي بلد آخر ولكن المستندات تضمنت ايضا امثلة فاضحة على التجاوزات من قبل قيادة الاتصالات الحكومية في المملكة المتحدة وهي وكالة استخبارات الاشارة في المملكة المتحدة إضافة الى معلومات عن تبادل المعلومات الاستخبارية فيما يطلق عليه « العيون الخمس» وهي شبكة تضم الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وكندا واستراليا ونيوزيلندا. ان الاتفاقيات التي تحكم تبادل تلك المعلومات الاستخبارية بين تلك الحكومات ما تزال اسرار تتم حراستها بشكل وثيق.
أما في المملكة المتحدة فإن النقاشات العامة والبرلمانية المتعلقه بممارسات المراقبة كانت قليلة للغاية على احسن تقدير. ان القانون الكندي لا يمنع الشركات عمليا من الكشف عن اية طلبات تأتيها من الحكومات للحصول على بيانات فحسب بل أن رئيس الوزراء ستيفن هاربر قام كذلك بترشيح محامٍ والذي امضى حياته المهنية في تقديم المشورة لوكالات الاستخبارات من اجل العمل كمفوض رسمي للخصوصية مما اثار غضب الناشطين.
ان بعض البلدان قد قامت بتكثيف نشاطات الرقابة لديها فمباشرة بعد تسريبات سنودن قامت الحكومة الفرنسية بتضمين مشروع قانون الاعتمادات العسكرية تفويضا بزيادة المراقبة الحكومية على الانترنت بشكل دراماتيكي بما في ذلك لأسباب « تجاريه». ان النقد الموجه من البرلمان الاوروبي للرقابة الشاملة التي تقوم بها المملكة المتحدة والسويد وفرنسا والمانيا ( ومن الممكن هولندا قريبا) يبدو أن لا يحمل أي وزن بالنسبة للحكومات الوطنية .
ومع حلول ذكرى مرور 800 عام على الماجنا كارتا في هذا الشهر فإن تسريبات سنودن قد شجعت نشوء حركة جديدة من اجل انشاء « قوانين الحقوق « المتخصصة بالانترنت في البلاد مما يؤسس لمبادىء الخصوصية وحرية التعبير واخفاء الاسم بشكل مسؤول . لقد وضعت الرئيسة البرازيلية ديلما روسيلف في كلمة مثيرة في الامم المتحدة في سبتمبر الماضي بلادها في طليعة هذه الحركة عن طريق الترويج لقانون ماركو المدني التاريخي في البرازيل.
لكن القانون المقترح تضمن متطلب بإن تقوم شركات الانترنت بالاحتفاظ بمزود الخدمة « السيرفر» في البرازيل – يبدو انه لحماية البيانات من اعين المتطفلين من وكالات الاستخبارات الأميركية- مع التخفيف من حرية الوصول لتلك البيانات من اجل منفعة الجهات الامنيه وغيرها من الجهات المسؤولة عن تطبيق القانون ولحسن الحظ فلقد ابقى المشرعون البرازيليون هذه الاحكام خارج النسخة النهائية لقانون ماركو المدني والذي تم تبنيه في ابريل.
واحسرتاه فهناك حكومات اخرى تهدد بفرض متطلبات مماثلة تتعلق بمتطلبات توطين البيانات وبشكل اجباري علماً ان مثل هذه الاحكام لا تتناقض مع المبادىء الاساسية لبنية تحتية مفتوحة ومتشابكة للانترنت فحسب بل انها كذلك تخلق مخاطر تتعلق بالخصوصية كما انها لا تعمل شيئاً من اجل حل المشكلة الاساسية والمتعلقة بتقييد حرية وصول الحكومات الى البيانات الشخصية والمتوفره لدى الشركات الخاصة.
ان كيفية رد الشركات في العالم على تسريبات سنودن سوف يكون لها تأثير عميق على حقوق المستخدمين لديها وحتى الان فإن البعض قد تبنى المقاربة الصحيحة وذلك بالضغط من اجل المزيد من الشفافية مع تعزيز التشفير على شبكاتهم من اجل ابعاد الوكالات الاستخبارية.
ان الشركات في قطاع المعلومات والاتصالات قد بدأت في جعل تقارير الشفافية من المعايير المتبعة في هذا القطاع ولكن المزيد من شركات الاتصالات ومصنعي الاجهزه يجب ان ينضموا الى شركات الانترنت والمدافعين عن حقوق الخصوصية من اجل بناء ائتلاف واسع للاصلاح.
لقد قام سنودن قبل سنة بتنبيه العالم الى الانتهاكات الفاضحة من قبل الحكومات لخصوصيات الناس. ان الامر عائد الان لقطاع التقنية ومنظمات المجتمع المدني والناس بشكل عام من اجل ابقاء الحكومات نزيهة في متابعة الاصلاحات التي تشتد الحاجة اليها وعندها فقط سيقدم الانترنت للحرية الهبة التي وعد بها منذ زمن طويل.

* رئيس مستقل لمبادرة الشبكات الدوليه.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة