عالـم داعـش تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام

  الحلقة الحادية عشر

 شكلت الظاهرة الإسلامية «المتطرفة» عصب الأحداث الاجتماعية في منطقتنا العربية وعالمنا الإسلامي على السواء. كما القت بظلالها وغيومها الكثيفة على سماوات العالم العربي شاسعة الأبعاد; لأنها شقت الخارطة الأساسية لعدد من البلدان كأفغانستان والعراق وسوريا وأخيرا ليبيا. وأثارت زوابع دامية عن امتداد سنوات في الجزائر واليمن والصومال فضلاً عن انها نجحت في اختراق حلقات نشطة في دول مجلس التعاون الخليجي واخيراً كانت وما تزال تتفاعل بقوة ونشاط في البيئة الاجتماعية والأمنية للمملكة العربية السعودية بما يجعلها احد اخطر الخيارات المحتملة للمشهد في تلك المملكة التي عبثاً تنكر مسؤوليتها الفكرية والايدلوجية والمالية عن انجاب هذا الكيان المرعب والمعقد والقادر على التنكر والتخفي أو الصعود الى السطح.

«القاعدة» كانت الأم التي خرج من رحمها عدد كبير من الجماعات والكتل والتنظيمات ولكنها اتخذت في كل مرة مظهراً متجدداً. على المستوى التنظيمي جعلها بمنزلة مخلوق أميبي احادي الخلية قادر على العيش في ظل ظروف صعبة. وهكذا ظهر منها مايعرف بِتنظيم «داعش» وهو كناية عن الدولة الاسلامية في العراق والشام. ومع ان الادبيات عن المنظمة الام ومشتقاتها كثيرة للغاية الا اننا في العراق يبدو أننا معنيون بتقديم الصورة الأقرب عنها ولمعالجة مايكروسكوب تستحقها ويحتاج اليها كل باحث ومفكر ومواطن. وهنا، تنشر الصباح الجديد، وفي حلقات متتالية، مخطوطة كتاب قيد الطبع، للباحث والمؤرخ الإسلامي العراقي، هشام الهاشمي، بعنوان «داعش.. دولة الإسلام في العراق والشام»

هاشم الهاشمي*

 

الدعم الخليجي للفصائل المسلحة العراقية:-

أثبتت القرائن وجود دعم خليجي غير حكومي لبعض الفصائل المسلحة العراقية، بسبب توافق عاطفي او مصلحي مع بعض المواقف الدينية اوالسياسية، كان أشهرها هو انعقاد المؤتمر الدولي ( نصرة الشعب العراقي) نهاية عام ٢٠٠٦، برعاية رجال مال خليجيين.

واشهر من يهتم بادارة وتمويل الفصائل العراقية المعتدلة(السلفية-الاخوانية) ؛الأول:عبدالرحمن بن عمير النعيمي، أستاذ في قسم التاريخ بجامعة الدوحة إلى وقت قريب، وعضو مجلس إدارة مصرف قطر الإسلامي و مدير عام مؤسسة الشيخ عيد بن محمد آل ثاني الخيرية التي ينظر إليها على نطاق واسع بأنها من الأدوات الخيرية لتحالف الإخوان والسلفية! هو رئيس “الحملة العالمية لمواجهة العدوان” وهي الحملة التي وفرت غطاءا للمتاجرة بقضية السنة في العراق واختطافها لصالح تنظيمات محددة، كالإخوان والسلفية.

 الثاني: مراد دهينة الذي يعرف بأنه المدير التنفيذي لإدارة الملف العراقي. نقل الاموال وغسيلها، متابعة قادة الجماعة الإسلامية المسلحة، إعطاء الملاحظات العامة للعمليات الإرهابية !!

 الثالث: خليفة بن محمد الربان. يستثمر أموال تلك الفصائل ضمن شركات عائلته وبالعقارات التي تتوزع بين الدوحة والشارقة.

 عام ٢٠٠٦ لقيت الفصائل السنية( السلفية-الاخوانية) اهتماما شعبيا في الخليج وخاصة بعد احداث سامراء، وتزايد عليها الدعم والتأييد من كل الدول العربية وخصوصا دول الخليج على الصعيدين الشعبي والمخابراتي، ولم يضعف هذا الدعم إلا بعد انتصار الصحوات( المتكونة من الجيش الإسلامي وحماس العراق وأنصار السنة الهيئة الشرعية..) على تنظيمات القاعدة نهاية عام ٢٠٠٨، والذي أدى لأن تتوجه معظم الفصائل المعتدلة إلى العمل السياسي والدعوي الديني والسلمي المدني!

الامر الذي حول غالب مقاتليهم الى خلايا نائمة، المجلس السياسي للمقاومة العراقية(السلفي- الإخواني) وقف في صف القائمة العراقية في انتخابات ٢٠١٠، واما تحالف( هيئة الضاري-بعثية الدوري) الذي لم يرغب بالعمل السياسي مع وجود هذا الدستور وفي ظل حكومة المالكي.. مما جعل الحكومة تحسبهم على التنظيمات المستهدفة بين الفينة والفينة لقيامهم بعمليات عسكرية ضد القوات الأمنية.

هذا السبب كفيل بأن توقف دول الخليج دعمها للفصائل المسلحة العراقية نهاية عام ٢٠١١، مما جعل قيادات تلك الفصائل يقبلون بالعمل السياسي، بعد أن كان مجرد الحديث عن العمل السياسي في العراق يعد خيانة للقضية الجهادية بالنسبة ( للسلفية والإخوان)، مما يعد بالنسبة للمخابرات الإقليمية مكسبا تاريخيا.

بعد أن تعرقل مشروع المصالحة الوطنية مع أفراد وقيادات الفصائل المسلحة ولم يتمكن من الوصول إلى القيادات المتحكمة في تلك الفصائل، كان ولا بد على الحكومة من إيجاد مشروع بديل لتحقيق الهدفذاته ، من تأهيل وترشيد مقاتلي تلك الفصائل ودمجهم في المجتمع السلمي المدني، وهذا ما يجعلنا نؤكد على وجود خطط بديلة لتحقيق الهدف ذاته الراسخ في أذهان جميع الأطراف.

عجز مئات من مختصي الارهاب والإعلام وخبراء الجماعات المسلحة من إثبات بالدليل «العلاقات السرية بين داعش ونظام سياسي دولي رسمي علني او مخابراتي سري» حتى اليوم.

الامر المؤكد ان تنظيم داعش يمول من خلال تعاطف تجار وأصحاب رؤوس أموال خليجية وآسيوية وأوروبية إسلامية غير حكومية ومتبرعي الجمعيات الإغاثية الإسلامية أو من يعمل خلالها.

تفسير التوافق بالأهداف بين تنظيم داعش وسياسة بعض الدول الإقليمية وخاصة ايران والنظام السوري الحالي من جانب وتعارضها معها من جانب آخر، يمكن ان يفسر ان النخبة السياسية لتلك الدول مع الجماعات المنشقة في سوريا جزئيا من جهة استغلال هذه الجماعات في صالح سياساتها الخارجية.

 من يقول ان داعش سعودية او داعش أميركية او داعش إيرانية؛هل من وثائق تدعم الادعاء بأن هناك تمويلا حكوميا خليجيا او إيرانيا او أميركيا لتنظيم داعش؟

أني اعتقد ان تنظيم داعش ليس بعيدا عن تلك الشكوك والظنون ولكن اين الإثبات، أموال داعش اضافة لما ذكرنا هي أتاوات من المقاولين والتجار في مناطق العرب السنة والسيطرة على الطريق السريع وأخذ الإتاوات من صهاريج نقل المنتجات النفطية وشاحنات نقل البضاع على الطريق الدولي الرابط بين العراق وسوريا والأردن وكذلك أموال الفدية من الخطف والسلب التي تقوم بها المفارز الامنية اضافة الى الغنائم التي يحصلون عليها من صولاتهم على المقرات الحكومية!

 توقعات عن عمليات داعش:-

١-في عام ٢٠١١ ظن المراقبون لشؤون تنظيم دولة العراق الاسلامية انها ماتت سريريا، ولكن احداث سوريا وخاصة مطلع عام ٢٠١٢ نفخت في تنظيم الدولة الاسلامية روحا ومعارك الانبار نهاية عام ٢٠١٣ أعطتها جسدا قويا وتشهد عمليات تنظيم داعش ازدهارا في الساحة العراقية، التي وفرت لها جميع الإمكانيات للبقاء والانتشار والتمدد.

٢-ربما يعمل ابو بكر البغدادي في الأيام المقبلة ان يجري مجموعة من العمليات العسكرية في هضبة الجولان على أهداف اسرائيلية – وهي عمليات فيها جانب جلب الانتباه إعلاميا وجلب التعاطف الاسلامي لتنظيم داعش وجلب التأييد الشرعي لهم!!! وربما تتسع عمليات داعش على طول الحدود العراقية السورية واذا انتصر تنظيم داعش في هذه المعارك المتوقعة سوف تنسحب نسبة كبيرة من الفصائل الجهادية السلفية وتبايع تنظيم داعش وخاصة مقاتلي جبهة النصرة والجبهة الاسلامية!

٣- هُناك فرص جديدة لداعش في التوسع بشريا وجغرافيا في لبنان وفلسطين ومصر وحتى شمال افريقيا وبشكل سري في تركيا، وتأسيس أشبه ما يكون بمكتب خدمات شؤون المقاتلين في دول أوروبية وخليجية، وان جزءا كبيرا من تمويل هذه الفرص سيكون من آبار نفط سوريا ومن غنائم معاركهم مع الجيش السوري !

٤-وأتوقع ان توقف السعودية ودول الخليج الدعم لجميع فصائل المعارضة السورية وخاصة للنصرة وداعش والجماعات التكفيرية، و تفعيل قانون مكافحة الارهاب السعودي قادم وسوف يشمل من اشترك في الملف السوري من دون التنسيق مع المخابرات السعودية!!!

٥-ومن المتوقع تصاعد القتال بين مقاتلي «داعش» و»جبهة النصرة» في شمال سوريا وشمالها الشرقي!

٦-ومن المتوقع ان برنامج تنظيم داعش خلال الأيام المقبلة سيركز على إغلاق الطرق السريعة الرابطة بين المحافظات الغربية في العراق واستهداف الجسور الحيوية ومكاتب القنوات الفضائية وخاصة مكاتب شبكة الاعلام العراقي والقنوات التي تساند معارك القوات الحكومية ضدهم، ويعمل على تسقيط سمعة الهيئات الشرعية العراقية التي تفتي بضد منهم ويهين علماءها كما فعل ذلك من قبل، ويعمل على التحريش بين الفصائل المسلحة( السلفية- الإخوانية) ومقاتلي المجلس العسكري لثوار العراق(هيئة الضاري- بعثية الدوري) للتخلص منهم كما فعلوا في سورية وخاصة في الرقة ودير الزور وادلب، وسوف يخطط لاغتيال القيادات السياسية السنية وخاصة من تحالف متحدون للإصلاح وتحالف العربية للتخلص من القيادات التي تسعى للفرز بين مقاتلي داعش والآخرين من حملة السلاح في الانبار !

علاقة داعش بالفصائل الجهادية :-

1 ـ في عام ٢٠٠٤، كانت العلاقات التي تربط (كتائب التوحيد والجهاد) والفصائل المسلحة (السنية) يتخللها الخجل وشيء من الاحترام، في الأقل علناً، قبل أن يبدأ (الجيش الإسلامي في العراق) و(جماعة أنصار السنة) وكتائب وسرايا المقاتلين، من الشهور الأولى لعام ٢٠٠٤ بجمع الفصائل المسلحة السنية (السلفية والأخوانية) تحت جماعة اقترح ان يطلق عليها اسم (جماعة الفرقان). وتم عقد مجموعة من الاجتماعات، وبمباركة (هيئة علماء المسلمين) ومجموعة من العلماء السلفيين السعوديين والخليجيين، وبحضور قيادات الصف الأول لتلك الفصائل، غير أن حب الرئاسة والتنازع على قيادة هذه الجماعة بين أمير الأنصار والجيش الإسلامي أفسد المشروع وأبطل نفعه، حيث كان من أهداف هذه الجماعة تحجيم جماعة الزرقاوي ودعم العمل السياسي السني البرلماني والحكومي وغيرها من الأهداف الواعية.

بدأت علاقة التعاون بين تنظيم القاعدة والفصائل المسلحة تضعف، وخاصة خلال معركة الفلوجة الاولى وقصة خطف القنصل الإيراني، الذي خطفه المكتب الأمني للجيش الإسلامي في العراق، ثم أخذه الزرقاوي منهم بخدعة يعرفها المتابع لهذا الشأن، وقام بإطلاق سراحه من دون أي مقابل ملموس.

2 ـ كان تأسيس (جيش المقاتلين)، نهاية عام ٢٠٠٤، بمنزلة إعلان قتل مشروع (جماعة الفرقان)، الذي كانت غالبية مقاتلي أهل السنة تنتظر ولادته. وما تأسيس (جيش المقاتلين) إلا زيادة فرقة الفصائل السلفية المقاتلة في ذلك الوقت؛ الأمر الذي جعل الكثير من مقاتلي اهل السنة ينضمون إلى صفوف كتائب الزرقاوي (التوحيد والجهاد)، بما فيهم مقاتلو (الطائفة المنصورة) و(كتائب أبي بكر الصديق السلفية) والعديد من الذين انسحبوا من جماعة الأنصار والجيش الإسلامي في العراق. وُيعتقد كذلك أن المقاتلين العرب من (كتائب التوحيد والجهاد) كان لهم الدور الأكبر في أعمال القتال في أثناء معركتي الفلوجة الأولى والثانية.

3 ـ وفي مرحلة مسك الأرض (٢٠٠٦ ـ ٢٠٠٨) في المناطق ذات الأغلبية السنية شمال وغرب بغداد، أحكمت جماعة (الدولة الإسلامية في العراق) سيطرتها الطائفية على مناطق حزام بغداد الشمالي والجنوبي وغرب بغداد ومناطق عديدة في ديالى وصلاح الدين وجميع مناطق نينوى اضافة الى الطريق الدولي في الأنبار، أي إن تواجدها تركز في المناطق التي زُعم أنها خاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة السنية، حتى صار الاحتكاك، ثم الخصومات، ثم القتال، جزءاً من واقع الحياة اليومية بينهما.

4 ـ وبعد عملية وثبة الأسد (٢٠٠٩)، التي قتل فيها أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المهاجر، ظلت العلاقات القائمة بين هذه الجماعات غير سلمية وغامضة لعامة المقاتلين من افراد تلك التنظيمات، كما أن (أنصار الإسلام) زادت بدورها من هذا الغموض، في الوقت الذي تحولت إلى (أنصار القاعدة)، أو (أنصار دولة الإسلام في العراق). الأمر نفسه حصل مع العديد من الفصائل التكفيرية؛ لتجنب موضوع الصدام المسلح مع مقاتلي (الدولة). وقد سعت بعض الفصائل إلى البحث عن تسوية شرعية للتقليل من العنف الدائر في مناطق حزام بغداد وبعض مناطق الكرخ منها وخاصة العامرية ومحافظة الأنبار ومحافظة ديالى ومحافظة صلاح الدين، بين (صحوات حماس العراق) و(الجيش الإسلامي) و(أنصار السنة ـ الهيئة الشرعية) من جهة، ومقاتلي (دولة العراق الإسلامية) من جهة أخرى. ولتجنب خطر التدخل العسكري الحكومي لتلك المناطق، تحالف بعض قيادات تلك الفصائل مع الاميركان ضد (دولة العراق الإسلامية).

5 ـ عام ٢٠١٠، أيّد (المجلس السياسي للمقاومة العراقية) جهود الوساطة المبذولة بقيادة (الحملة العالمية لمقاومة العدوان) لجمع كلمة العرب السنة وتقريب وجهات النظر بين المقاومة السنية المعتدلة والحركات والأحزاب السياسية، وبدعم خليجي أردني تركي، وبرعاية أميركية، فكانت انتخابات ٢٠١٠ حيث دعمت قيادات الفصائل المسلحة قيادات القائمة العراقية، وكان لدعمهم أثر كبير في طمأنينة العرب السنة من الرعب الذي بثته (دولة العراق الإسلامية) من خلال بياناتها وعمليات الاغتيال للمرشحين او للعاملين في مجال السياسة. وهنا، انقسمت المقاومة وبشكل واضح إلى قسمين، قسم يؤيد الانتخابات ولا يمنعها، بل قدّم مرشحين منه. ويمثل هذا القسم (الجيش الإسلامي في العراق) و(أنصار السنة ـ الهيئة الشرعية) و(حماس العراق) و(جامع). والقسم الآخر كان ضد العمل السياسي والمشاركة الحكومية للسنة، ويمثله (كتائب ثورة العشرين) و(جيش المقاتلين) و(جيش الفاتحين) و(جيش الراشدين) و(جماعة أنصار الإسلام) و(كتائب أبي بكر الصديق السلفية). وقد عمّق هذا الانقسام من الخلاف وزاد (دولة العراق الإسلامية) قوة من حيث عديد الأفراد.

ومع فشل الكتل والأحزاب السياسية ومرشحي الفصائل المسلحة المؤيد للعملية السياسية في الفوز او الحصول حتى ولو على مقعد واحد؛ صرّح قادة (المجلس السياسي المقاومة العراقية) بأنهم عازمون على العمل المسلح حتى يتحرر العراق من الاحتلالين الاميركي والإيراني.

6 ـ (كتائب التوحيد والجهاد في العراق) ربما بلغ عديدها في عام ٢٠٠٤ ما يقارب ألفي مقاتل. وفي أحداث الفلوجة الاولى زاد عديدهم الى خمسة آلاف مقاتل، من بينهم ما يقارب ١٢٠٠مقاتل عربي او أجنبي (مهاجر). وعند إعلان الزرقاوي أنه بايع تنظيم القاعدة وأصبح ضمن تنظيم بن لادن وصار اسم تنظيمه (تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين) أصبح عديد التنظيم ما يقارب عشرة آلاف مقاتل، أغلبهم من الجماعات المنشقة عن الأنصار والجيش الإسلامي في العراق وجيش الفاتحين وجيش المقاتلين؛ وهي تنظيمات لم تكن ترى مثلا أعظم في الجهاد من أسامة بن لادن، فهم انضموا للتنظيم حبا به، وليس قناعة بالزرقاوي.

وحين إعلان الزرقاوي، بداية عام ٢٠٠٦، تأسيس (مجلس شورى المقاتلين)، انضم له أفراد كثر، بل سرايا وكتائب ممن ينسجم في الفكر التكفيري مع فكر ومنهج الزرقاوي، فبلغ عديدهم ما يقارب خمسة عشر ألف مقاتل. وفي نهاية ٢٠٠٦، أعلن (مجلس شورى المقاتلين) عن تأسيس تنظيم (دولة العراق الإسلامية). وكان ذلك الإعلان ردة فعل وسبقاً لما تسرب من معلومات عن نية (الجيش الإسلامي في العراق) و(جيش المقاتلين) و(أنصار السنة ـ الهيئة الشرعية) و(حماس العراق) و(جامع) و(جيش الفاتحين) إعلان جبهة جهادية لتوحيد الفصائل المسلحة (السلفية ـ الأخوانية) تحت قيادة عسكرية وسياسية وإعلامية واحدة. وقد سعى الى إيجاد هذه الجبهة (الحملة العالمية لمقاومة العدوان)، التي قاطعتها (دولة العراق الإسلامية)، التي بلغ عديدها، مع تأسيسها، ما يقارب ثمانية عشر ألف مقاتل. وهنا، بدأ الصراع الفعلي بين تلك الفصائل و(الدولة الإسلامية)، في بغداد والأنبار وديالى، الذي كان من أعظم أسباب تأسيس الصحوات، حيث خيّرت (الدولة الإسلامية) مقاتلي الفصائل بين البيعة والانضمام لهم او ترك السلاح او القتل وخاصة في تلك المناطق التي يمسكون فيها الارض.،ومن أشهر تلك المعارك، معركة هور رجب التي وقعت بين (الدولة) وجيش المقاتلين نهاية عام ٢٠٠٦، ومعركة بهرز ايضا بينهما في عام ٢٠٠٧، ومعركة الكاطون بين جماعة الأنصار و(الدولة) عام ٢٠٠٧، ومعارك العامرية والأعظمية وحزام بغداد مع (الجيش الإسلامي في العراق)، ومعارك الخالدية والصقلاوية مع (جيش الفاتحين)، ومعارك عامرية الفلوجة والكرمة وأبي غريب مع (كتائب ثورة العشرين) عام ٢٠٠٧؛ الامر الذي جعل (دولة العراق الإسلامية) تفقد اكثر من ٨٠٪ من الارض التي كان يسيطر عليها ولم يبق لها إلا نينوى ومناطق الجزيرة والثرثار ووجود متخفٍ في سائر العراق، فقتل من قتل وهرب من هرب وبقي منهم الى مقتل أبي عمر البغدادي والمهاجر ما يقارب ثلاثة آلاف مقاتل) في جميع محافظات العراق، ورجع الى العمل الامني السري.

7 ـ الاستيلاء على شمال حلب بعد معركة جسر الشغور بداية عام ٢٠١٢ يعد تغيراً ملحوظاً للجميع في توسع (دولة العراق الإسلامية)، فقد هجرت مجموعة من المبشرين من الدعاة والمرشدين بإمارة ابي بكر البغدادي، الذي يتميز عن ابي عمر البغدادي بحبه للسلطة وبتقليده بن لادن في ظاهرة (عالمية القاعدة). هؤلاء الدعاة والمرشدون استطاعوا ان يجدوا أتباعا للبغدادي في مناطق الحسكة وريف أدلب وحلب ودير الزور والرقة وعلى طول الشريط الحدودي بين العراق وسوريا. ولما بلغ عديد أتباع البغدادي في الأراضي السورية نحو اثني عشر ألف مقاتل، أرسل العدناني ليعلن ما يسمى (الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»). وهنا، صار عديد هذا التنظيم الجديد في آذار من عام 2013 ما يقارب ثمانية عشر مقاتل في العراق وسوريا ولبنان وسيناء مصر. وأصبحت علاقته مع التنظيمات المسلحة في سوريا تشبه علاقته بالتنظيمات المسلحة العراقية ايام الصحوات والاقتتال من اجل السلطة والبيعة للبغدادي.

8 ـ وعلى وجه الخصوص أن الاستيلاء على شمال وشرق سوريا من تنظيم (داعش) دفع الفصائل المسلحة السورية إلى تسوية خلافاتها مع (داعش). ومن الصعب التوصل إلى السلام على ما يبدو بوساطة علماء تكفيريين أمثال الطرطوسي. ومنذ أيلول عام ٢٠١٣، اتبعت الفصائل المسلحة السورية استراتيجية الصحوات العراقية وبدعم خليجي أردني تركي أوروبي في قتال (داعش)؛ وحيث يُعتقد في الأساس أن (داعش) يضم أعداداً غفيرة من الجنسيات العربية التي دخلت الى سوريا من خلال تركيا ولبنان ومن ابرز تلك الجنسيات: الليبية والجزائرية واليمنية والتونسية والمصرية والسعودية والعراقية، ومن أوروبا. ويُشاع عن (داعش) استفادته من دعم رجال الأعمال والأعيان الخليجيين الذين يُعتقد أن لهم صلة بهؤلاء المقاتلين العرب. وعلى الرغم من ذلك، ثمة ردة الفعل ابتهاجية للسوريين إثر طرد (داعش) من ريف حلب وريف أدلب والرقة، مع قلة الدعم الذي كانت تتمتع به الفصائل المسلحة السورية مقارنة بصحوات العراق.

9 ـ في الوقت الذي يمضي فيه سير العمليات العسكرية في العراق الذي تقوده الحكومة العراقية ضد (داعش) في غرب العراق، هناك مخاطر كثيرة أبرزها ان تتعامل القوات الحكومية مع أبناء العشائر والفصائل المسلحة المعتدلة كما تعامل (داعش)، فضلاً عن ضرب الأهداف المدنية بالذخيرة العسكرية الحكومية، وهذا يعطي لـ (داعش) فرصاً محتملة لانضمام الجماعات المسلحة بصف (داعش) في قتالهم ضد القوات الحكومية. حينئذ يكون التعاون والأهداف المشتركة وانتقال الأفراد امراً حاصلاً بين هذه الجماعات، إلا أنه ما زالت هناك اختلافات وصراعات مهمة على مستوى الأحكام الشرعية.

ينبغي على بغداد والقوات الحكومية أن تستغل هذه الصراعات وتحاول الفرز بين أبناء العشائر والفصائل المسلحة من جهة و(داعش) من جهة اخرى، وتعمل على إحياء مشروع الصحوات من مجتمع أبناء الفصائل المسلحة المعتدلة داخل الأنبار وإسراع وتيرة تبادل الثقة مع الجماعات المسلحة. إضافة إلى ذلك، يوجد احتمال قوي بأن يسعى (داعش) إلى إيجاد جبهات جديدة، فعلى بغداد ان تقوم باعمام مشروع الاستعانة بالفصائل المسلحة المعتدلة في كل المحافظات الساخنة.

10 ـ الظروف التي أوجدت (داعش) كانت سريعة ومتلاحقة الخطى، تجعل من الصعب قبول هذا التنظيم إقامة أية علاقة مع الفصائل المسلحة في العراق وسوريا ولبنان ومصر، حتى بالنسبة لأكثر الفصائل قربا منه. وبالتالي، مع (داعش)، وبقيادة البغدادي، ليس هناك من سبيل الا معاملتهم معاملة الخوارج واستفتاء كبار علماء اهل السنة فيهم والتعاون الجاد والصادق للقضاء عليهم. ومن هنا، يتعين على بغداد وحلفائها من عشائر الأنبار الاستعداد لأسوأ السيناريوهات المتعلقة بانضمام الفصائل المسلحة للقتال في صف (داعش). وعلى بغداد والعشائر ان تجعل الفصائل المسلحة من حلفائها، وسوف يلتزمون بالعهود، وهم اهل للثقة. وعلى بغداد مساعدتهم على اعادة تنظيم صفوفهم ومعاملتهم معاملة الصحوات من حيث الحقوق والواجبات.

 

*مؤرخ وباحث في شؤون الجماعات الإسلامية

.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة