من حمورابي .. الى بيتر بورغ

عبدالزهرة محمد الهنداوي

اتيحت لي مؤخراً فرصة لزيارة روسيا وتحديداً مدينة سانت بطرسبورغ او كما يسميها الروس (بيتربورغ) وبيتر او بطرس هو القيصر الاول الكبير الذي اسس هذه المدينة عام 1703 في شمال غرب روسيا شرق خليج فلندا وكانت نافذة مطلة على اوروبا وبقيت عاصمة للدولة للمدة 1712 – 1918 بعد اندلاع الثورة البلشفية عام 1917.. كانت الزيارة قصيرة ولم تستغرق سوى ثلاثة ايام لحضور اعمال الملتقى الاقتصادي الدولي الذي عقد هناك .. ولكن لان النهار هناك طويل جدا حيث تغرب الشمس نحو الساعة الثانية عشرة ليلا وتشرق بعد سويعات قلائل من غروبها .. طول النهار هذا اتاح لنا فرصة للتعرف على بعض معالم المدينة التي تعد من اجمل المدن الروسية فهي تبدو مثل قطعة فنية بذل رسامها جهدا استثنائيا لكي يظهرها بهذا الجمال المعماري ..فانا لم اشاهد بناية شاذة في عمارتها عن غيرها انما كان من الصعوبة بمكان لزائر يرى المدينة لاول مرة ان يميز بين البنايات القديمة والحديثة .. فكل بناياتها كانت تبدو وكانها قصور منيفة تغفو بهدوء على جانبي نهر نيفا الكبير الذي يرتبط بالخليج الفلندي او ما يعرف ببحر البلطيق المشهور بحجر الكهرب الذي يدخل في صناعة المسبحات الثمينة .. ومن اجمل ما يميز هذا النهر ومدينة سانت بطرسبورغ هو تلك الجسور التي تبدو متشابهة في اشكالها وان جميع هذه الجسور يتم فتحها في وقت واحد في مشهد جميل يترقبه الناس يوميا.. حيث ينفلق الجسر الى قطعتين متعامدتين فتتوقف الحركة في جانبي المدينة لتبدأ حركة السفن والبواخر التي تمر عبر فتحات هذه الجسور في مشهد ساحر تعود الجسور بعد ذلك الى طبيعتها وكأن شيئا لم يكن.. يقولون ان هذه الجسور أنشئت في عام 1800 من خشب الارز القوي الثمين الذي تم استيراده من لبنان ثم بعد ذلك بنيت بشكلها الحالي في وقت متأخر. 

كل شيء في المدينة كان يبدو جميلا ..امام سكانها الذين يتراوح عددهم بين 5 – 6 ملايين انسان والذين يبدون وكأنهم غير معنيين بما يدور في بلادهم من احداث سياسية فكل همهم هو استثمار ساعات نهارهم الطويل للتمتع باشعة الشمس فتشاهدهم نساء ورجالا وقد تركوا ملابسهم في بيوتهم وافترشوا الحدائق العامة يتمتعون بشمسهم غير مبالين بما حولهم !.. ومن العلامات الفارقة للمدينة ، قصرا القيصر الكبير .. القصر الشتوي الذي يقع في قلب المدينة ويضم 1570 غرفة ! فضلا عن المرافق الاخرى وقد تحول اليوم الى واحد من اكبر واهم المتاحف العالمية يعرف باسم متحف (الارميتاج) ..الفرصة لم تسنح لنا لزيارته لانه يفتح ابوابه في الصباح فقط ويحتاج الزائر الى ثلاثة ايام كاملة للاطلاع على محتوياته .. وهناك القصر الصيفي الذي يقع على بعد نحو (45) دقيقة من مركز المدينة.. تجولنا في ارجائه وشاهدنا الحدائق المترامية والشلالات المرصعة بالاحجار الكريمة وتماثيل الذهب والكنيسة الكبيرة ذات القباب الذهبية .. يشغل القصر مساحة كبيرة جدا والجميل في الامر ان يداً لم تمتد الى اي شيء من مقتنيات القيصر او منشآت القصر انما بقي كل شيء على حاله ..تساءلت بصوت عال : الم يتعرض هذا القصر وسواه من (ممتلكات القيصر) الى الحوسمة والفرهود من قبل البلاشفة عام 1917 ؟؟ كان الجواب : على العكس كان البلاشفة حريصين على حماية القصر لانه ملك لروسيا وليس ملكاً لبيتر .. قلت اذن اين نحن من الروس واين اثارنا التي يمتد عمرها الى (6) الاف سنة وما حل بها من خراب وفرهود ؟؟! فهي اليوم تنتشر في كل اصقاع الدنيا مسروقة او مهربة.. اما المتبقى منها فهو مخرب وقد بدأت حملة التخريب المنظم لهذه الاثار ومنها اثار بابل في زمن النظام السابق يوم قام رأس النظام بوضع حروف اسمه على اغلب الاثار الامر الذي دعا اليونسكو الى شطب حضارة العراق من قائمة الحضارات العالمية .. انتهت الجولة بغصة الاثار وانا اتأمل قصر القيصر الكبير بيتر واتذكر مسلة العظيم حمورابي التي لم تعد مصدرا للقوانين .. وحارسها اسد بابل الذي فقد اسوديته وتحول الى (..)!!

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة