علي عبد العال*
المأثرة العظيمة التي سجلها الشعب العراقي بتاريخه السياسي الراهن تتفوق على جميع المآثر الأخرى باقدامه البطولي على خوض الانتخابات ومشاركته القرار السياسي بإرادة واعية تحدت جميع الصعوبات والمخاطر الجسيمة لكي تذهب لصناديق الاقتراع وتدلي بصوتها لمن يمثلها بنسبة فاقت أكبر الدول الديموقراطية العريقة بالعالم. إنه نصر كبير للشعب العراقي.
يدل هذا الأمر على وعي الشعب السياسي بالنظام الديمقراطي الحديث بغالبية فئاته وشرائحه الاجتماعية. إنه وعي جماهري كبير ومسؤول يعيد العراق إلى حقبه السياسية الأولى عندما تأسست دولة العراق الحديثة عام 1921. هوجم العراق كدولة حديثة ومؤسسة في عصبة الأمم من قبل الدول المجاورة، ومنها وبالدرجة الأولى دول الخليج المتخلفة آنذاك. ظل العراق يحتفظ بمركز الصدارة من الناحية الاجتماعية المتطورة نسبيا ورغبة حكوماته المتعاقبة على تمثيل العراق بالمحافل الدولية والإقليمية كدولة حديثة تستحق الاحترام والتقدير أكثر منها دولة واقعة تحت الانتداب البريطاني. وحقا، وبعد ثورة العشرين رحل الاستعمار البريطاني رسميا عن العراق لكن أذنابه من العملاء بقيوا فاعلين بالدولة والمؤسسات التابعة لها.
بالتدريج، وبفضل أحزاب وطنية تقدمية أراد العراقيون النهضة ببلدهم نحو الآفاق الجديرة بهم كشعب وثروة وأدب وعلم وتراث راسخ في أذهان العالم كحضارة واسعة ومؤسسة بالتاريخ البشري في وادي الرافدين. سطت بعض القوى التي تدعي القومية العروبية على مقدرات بلدانها في مصر والعراق وسوريا والجزائر وزحفت بها نحو السقوط التدريجي إلى الهاوية. آخر مثال على ذلك صدام حسين بالعراق ومعمر القذافي بليبيا، ناهيك عن السادات وحسني مبارك وزين العابدين بمصر العظيمة وتونس الأصيلة.
بالعراق تم وضع العصا الخبيثة بعجلة التطور الطبيعي. حكم حزب البعث العربي الاشتراكي العراقي طوال أربعة عقود ولم يؤد إلى نتيجة لا على مضمار الوضع الداخلي الذي تشبع بالإرهاب والذل للمواطن العراقي ولا على صعيد التقدم العلمي. وأضحى العراق كدولة منبوذة على الصعيد العالمي كما هي الشخصيات المتخلفة التي تحكمه.
أربعة عقود مبتورة من جسم المواطن العراقي كيدٍ أو قدم أو لسان. هاهو المواطن العراقي ينهض كشخص “معّوق” لكن يحمل بداخله روح بطل شجاع يواجه الخسارات برمتها كجسم سليم معافى بإرادته القوية المستندة إلى تراثه الفكري الحضاري وشعبه القوي الكبير. شخصٌ بطلٌ امرأةٌ ورجلٌ صنديدٌ خبر جميع الحروب والتجارب السياسية القاسية فأحذروه وأحذروا غضبه التاريخي الكبير. السياسيون الأغرار يتقدمون إلى الوراء، بينما يتقدم الشعب العراقي إلى الأمام بإيمان راسخ وخطى ثابتة لا تحيد عن الطريق القويم.