لوحات الفنانة نورقاسم ..إستعادة أنوثة حالمة

نصيرالشيخ *

في عالم الفن وتحديدا في فضاء « الرسم» يمكن استعادة الكثير من الوقائع والأحداث الشيئية وجعلها أثراً فنياً،والفنانة «نور قاسم» كأنها في لوحاتها التي بين يدينا تستعيد عالما مدهشاً من عوالم الفن الكارتوني «والت دزني» حيث المرأة ووجوهها ،وعينيها الكبيرتين الحاملة أسراراً عميقة، وبما يمدنا للقول ان ثمة إنحيازا لطفولة مغادرةٍ تركت مرحها على وجوهِ إناث الفنانة. عينان تحضران على السطح البصري للوحة وهما تحدقان من نافذة أو شرفة نحو البعيدِ، بما يقارب « الغيب» وانتظاراتهِ،أوانها تسرب حنيناً ما لحبيبٍ عابر تحت هذه الشرفات،يكسوالوجه هذا خجلٌ أنثوي طاغٍ في جمالهِ.
حضور المرأة / الأنثى في لوحات «نور قاسم» يشي أنها أمام مرآةٍ دائمة ،وكأن الفنانة تستعيد على الدوام وجه المرأة «بورتريتا» يمنحنها إمكانية التعبيرالخالص لعوالم المرأة،غيرمبتعدةٍ بالطبع عن رسم ذاتها « شكلاً وحضورا» عاكسة هذه الروح الأنثوية الطافحة التي تتوزع ملامحها على سطح اللوحة.وما الألوان الا مهرجان بهجة لهذه الذات المحبة للحياة،ذلك أن اطلالة المرأة / الأنثى لاتخفى أسئلة تطلقها الفنانة لمتلقٍ يتأمل حاملا دهشته امام لوحاتها.
الخطوط تستعيرأنسيابيتها في لوحات الفنانة لترسيم الملامح الأنثوية،صعوداً لكثافة الألوان المبهجة،يعكسها ماترتديه نسائها،وبكل رقة ووضوح ومعنى، يرتسم أمامنا وجه الأنثى مستفيدة من ثنائية الضوء والظل في بعض لوحاتها، ذلك ان حضور مصدر الضوء يضفي كشفا جماليا على هذه الوجوه .
أحسب أن كثافة اللون في لوحات نور قاسم مصدره كمية البوح المصاحب لقدرة الفنانة في سكب معنى ما،متجسدا في اشتغالها شكلياً على مساحة اللوحة رسموياً، لتظهر لنا وبدقة متناهية ملامح « المدرسة البغدادية « في الرسم العراقي عبر استعارتها التجديدية لهذا الشكل «الإيقوني» للوجه خاصة ، يصاحبه على الدوام « رموز» و» ايقونات» لها حضورها النوعي والجمالي وبصيغته الشعبية كتشكلٍ رسموي مثل « التراجي /أم سبع عيون..الخ « وتظهر « الحمامة « شاخصاً مشتركا في أكثر من عمل للفنانة ، وأحسب ان « الحمامة « هنا تغادر معناها الضمني كونها رمزاً للسلام والوداعة نحو أفق آخر ارادته الفنانة ،حيث تحضر» الحمامة « هنا كائناً مشاركاً المرأة / الأنثى حيرتهُ وأحلامهُ وإطلالته الدائمة على عالم بعيد وقريب يحمل على الدوام دهشته.من هنا تكتسب التجربة اللونية للفنانة «نور قاسم» وضعها الأمثل في تشكلها الهارموني الممتد على السطوح البصرية للوحاتها.
هذا الشاخص الوجودي « المرأة / الأنثى» وان أعمد بتسميته « الأنثى» وذلك لأن هذا الشاخص قد رسم بهيئة « أنثى»..!! شابة سابحة في عوالمها المرئية والخيالية على حد سواء،وهي تقف ناظرة على مدى يتسع أمامها، ذلك أننا لم نرّ في لوحاتها المتوافرة بين يدينا قيد القراءة والتحليل ، إمراة جاءت في تجسيدات أخرى (فلاحة ، عاملة ، امراة عجوز، أم ) ..لا بل ان « نورقاسم» أكتفت بتدوين مشهدية الحلم لدى الأنثى بكل لطافة وذوق وانسيابية تبدت في خطوطها وملامح نسائها وصولا لهارموني اللوحة في تجانسها ومحيطها التشكيلي وطاقة الوانها المبهرة . ولأن التقاطة الفنانة لزاوية تصويرمشهد اعمالها،أنطلقت من جوانية المرأة لديها نحو إشراقية جسدّها هذا الكائن الأنثوي والذي يقربنا حين النظر اليه من عزلة مكتفية بجمالها وحنينها ، الا ان لهذه العزلة ما يكسرها في أحدى اللوحات ،حيث حضور الرجل في جدلية التكون البشري وحضوره الوجودي كائناً يبعث حياة ودفئاً ويقاسم « أنثاه « مسيرة عمر وحب على هذه البسيطة / الأرض.
لوحة تحضر فيها الحمامة البيضاء بكل أناقتها وألقها ومرموزيتها في إحتضان ناعسٍ لها بين يدي الرجل / المرأة ، في مسائلة بريئة لمعنى متجسدٍ صوريا في هذه اللوحة ، لماذا المرأة يقظة بكل انسيابيتها ولماذا يذهب الرجل « النصف الأخر» في إغفاءة ٍ.. الى أي مدى تمنحنا اللوحة دلالاتها.
في لوحات الفنانة « نور قاسم « تحضرالتشخيصية كتجسدات رسموية مُشكلة مركزاً بؤرياً ومدى رؤيوياً للمتلقي،وتلوينا فنياً حاضراً يشيرالى شخوصٍ أدمية بروح حلمية ، كلها جاءت بأسلوب اشتغال مادته الخطوط وكثافة الألوان ، بل ان المادة اللونية بتنوعها وتشكلاتها أندغمت ضمن خطوط اللوحة ، بل صارت جزءاً من محيطها وبما يمكننا من فهم الموضوع وتلمسه جماليا بعد إبرازه الجانب التشخيصي.من هنا حافظت الفنانة على القاعدة التصويرية في « المنظور» وقدمت لنا لوحات تحاكي وجودا إنسانيا مركزه ووجوده « المرأة / الأنثى» دون استعارات بلاغية من مدارس الحداثة وتشوشها التقني والمفرط في التجريب، ، وانتمت حقا لمنطقها الخاص سائحة في عوالمها اللونية على السطح البصري .

  • شاعر وناقد عراقي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة