انكماش في الانشطة الاقتصادية والتجارية جراء ارتفاع سعر الدولار

المواطن لم يعد قادرا على تلبية متطلبات عائلته

بغداد ـ نجلاء صلاح الدين:

يعدّ سوق جميلة من أكبر الأسواق الرئيسية في العراق، ويضم عدداً كبيراً من أكبر التجار في البلد، إلا أن الأجواء في هذا السوق بدت مُربكة بسبب الركود وعدم وجود إقبال على شراء البضائع، إذ أوقف كثير من التجار استيراد البضائع من الخارج، تحسباً لأي تغييرات جديدة على سعر صرف الدولار، بعد ارتفاع سعر صرفه مقابل الدينار.
وفيما تشير اخر إحصائية لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية الى نسبة البطالة بلغت 42% ، تسببت تقلبات الأسعار وانخفاض قيمة العملة في حدوث موجات من التضخم ضربت السوق بشدة.
وتجاوز السعر الحالي حاجز 158 ألف دينار مقابل كل 100 دولار،.
وذكر عبد الله جبر (صاحب متجر) أن صعود الدولار أثر بشكل واضح فتسبب بشلل السوق، حيث يأتي الزبون للسوق فيتفاجأ بالأسعار المرتفعة التي زادت خمسة – ستة مرات فلا يشتري شيئا.
وذكر موظف حكومي يدعى علي أن المصاريف زادت بشكل ملحوظ “يعني ما نستطيع والله بصعوبة وغالبا الراتب ينفد منتصف الشهر”.
ويرى الخبير الاقتصادي كوفيند شرواني أن أحد أسباب الارتفاع هو العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية على عدد من البنوك العراقية التي كانت تساهم بحصة كبيرة في بيع العملة.
وأضاف: الأمر الثاني أن “المركزي” العراقي استحدث منصة إلكترونية للتقديم من قبل المصارف ومكاتب الصيرفة للتقديم على طلبات شراء العملة، وهذه المنصة فيها اشتراطات فرضتها “الخزانة” الأميركية والبنك الفدرالي، ويبدو أن المصارف العراقية أصبحت تتأخر في تلبية هذه الاشتراطات التي تطلبها المنصة الإلكترونية.
وذكر أن الأمر الثالث هو وجود مضاربات في الأسواق من قبل بعض التجار الذين يحتكرون العملة، ويخزنونها إلى فترات أخرى.
ويقول التاجر سعد عبد الله إنهم تكبّدوا خسائر كبيرة بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار والركود الحاصل وتقلّص نسبة البيع قياساً بالفترات الماضية، بالإضافة الى صعوبة الحصول على العملة الصعبة لتغطية نفقات الاستيراد بسبب سيطرة جهات متنفذة تقوم بعمليات المضاربة. ويضيف عبد الله، أن ارتفاع سعر صرف الدولار انعكس مباشرة على أسعار السلع والمواد الأساسية والكمالية، مما خلق الخشية والحذر لدى المستهلكين من استمرار ارتفاع الأسعار أكثر.
ويكشف عبد الله عن تعرض عدد من التجار لأزمات صحية نتيجة لما تلقوه من صدمة كبيرة وخسائر مادية بسبب الارتفاع المفاجئ لسعر صرف الدولار. لم يقتصر تأثير ارتفاع الدولار أمام الدينار على التجار والسوق فحسب، إنما انعكس تدهوراً في حياة المواطنين وواقعهم الاجتماعي.
وفي حديثٍ يقول الباحث الاجتماعي ولي الخفاجي إن التضخم الكبير الذي يشهده السوق مع ثبات رواتب موظفي الدولة بالعملة المحلية وارتفاع نسبة البطالة أثّرت بشكل كبير على الحالة المعيشية للمواطن، وعدم تمكنه من تلبية احتياجاته الأساسية. ويبيّن الخفاجي، أن هناك متطلّبات أساسية تحتاج إليها العائلة العراقية؛ من تكاليف الكهرباء البديلة (المولدات الأهلية)، وأجور تعليم الأبناء والغذاء والنقل، وكلّها أساسيات أصبح المواطن العراقي غير قادر على تلبية نفقاتها.
ويوضح أن عدم قدرة المواطن على تلبية متطلبات العائلة زاد من المشكلات الاجتماعية، إذ ارتفعت نسب الطلاق وتعاطي المخدرات وبيع الأعضاء البشرية والمشاجرات العائلية التي أدّت إلى عمليات قتل متعمّد، مؤكداً وقوع حالات انتحار عديدة بسبب عدم استطاعة الأب توفير الحاجات الأساسية لأبنائه. ويقلل الخفاجي من أهمية تأثير ارتفاع الدولار على التجار وأصحاب شركات الصرافة، لأن عملهم مرتبط بحركة السوق، وكلما ارتفع سعر الدولار قاموا بدورهم برفع أسعار السلع والخدمات، والمتضرر الوحيد من هذا الإجراء هو المواطن وأصحاب الدخل المحدود.
وتواجه الحكومة العراقية ضغوطاً واسعة بسبب الانخفاض المتواصل في سعر صرف العملة المحلية، إذ بدأ الحديث عن عودة التظاهرات الشعبية وانطلاق جولة جديدة من الاحتجاجات، نتيجة الهبوط المفرط في سعر صرف الدينار أمام الدولار، وما خلفه من ركود في الأسواق وزيادة في أسّعار السّلع والخدمات.
ويرى الباحث الاقتصادي عبد السلام حسن أن الشارع العراقي يعيش حالة من الغضب، مما يدعو إلى احتمالية تجدّد التظاهرات وحدوث “ثورة جياع” قد تطيح رؤوساً كبيرة كما حدث في التظاهرات الماضية التي استمرت لفترة وحملت مطالب اجتماعية واقتصادية لا تزال غير محققة حتى اليوم.
ويشير حسن، إلى أن ارتفاع سعر الدولار له حسابات خاصة تقف وراءها أجندات سياسية، تستهدف المواطن العراقي وتحاربه في قوته اليومي، على حد وصفه، متوقّعاً استمرار ارتفاع سعر الدولار حتى يتجاوز 160 ألف دينار عراقي لكل 100 دولار. وعن خسائر التجار وأصحاب شركات الصرافة في العراق يرى عبد السلام حسن أنها لا تعدّ خسائر كبيرة، وأن أصحاب رؤوس الأموال في السوق استغلّوا ارتفاع الدولار لتحقيق أرباح إضافية، من خلال رفع أسعار المواد الأساسية والاستهلاكية.
ويصف حسن الحلول التي قدّمتها الحكومة العراقية في مواجهة هذه الأزمة بـ “الحلول العشوائية” غير المدروسة، مضيفاً أن السلطات المالية في العراق ما زالت عاجزةً عن تحقيق التوازن في السوق، وتقديم الحلول الاستراتيجية اللازمة لضمان تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي في البلاد.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة