أينَ عُشّاقُ المكرمات ؟

-1-

من أروع ألوان المديح قول الشاعر مادحاً :

عَشِق المكارمَ فهو مُشْتَغِل بها

والمكرماتُ قليلةُ العُشاقِ

وأقام سوقاً للثناء ولم تكن

سُوقُ الثناءِ تُعدَّ في الأسواقِ

-2-

عشق المكارم يعني استثمار المرء لِعُمره وما يملك مِنْ مالٍ وصَحِةٍ وَجَاهٍ ونفوذ ومؤهلاتٍ لخدمة القيم السامية فهو يدور مدارها ولا يتخلف عنها.

مثالان

فاذا دار الأمر بَيْنَ أنْ يبني عمارةً بقصد التربح المادي وبين أنْ يبنِيَها ليُسكن فيها بعض العوائل الفقيرة التي لا تملك سكناً ، ولا تقوى على دفع بدلات الايجار ، فضّل الثاني على الأول .

وهذا الايثار هو أحد العناوين المهمة لمكارم الأخلاق …

واذا أراد أنْ يُزوّج ابنَه ودار الأمر بين أن يزوجه وينفق على زواجه الكثير من الأموال وبين أن يزوجه ويقلص الانفاقات الكمالية ليزّوج بها بعض الشبان من الفقراء والمستضعفين فضّل الثاني على الأول .

وهذا البر والاحسان الى المستضعفين هو من مصاديق المكرمات التي مدحها هذا الشاعر .

وهكذا .

-3 –

ان عشق المكرمات له انعكاساتُه الايجابية الكبرى في العديد من الميادين والمجالات :

ففي الميدان العلمي

يعني توقير العلماء واجلالهم والوفاء للاساتذة والمربين والعناية بذوي المواهب العلمية واحتضانهم وتشجيعهم على المضي قُدما في طريقهم الواعد

وفي الميدان الاجتماعي :

يعني العناية بالفقراء والضعفاء والأرامل والمساكين وذوي الفاقة والحرمان وإمدادهم بالمساعدات اللازمة لسد احتياجاتهم

وفي الميدان السياسي

تغليب المصالح العليا للبلاد على كل المصالح الشخصية والفئوية والطائفية والقوميّة .

وفي الميدان الأخلاقي

التعامل مع الناس بتواضعَ ولِينٍ ومحبة ، والترفع عن أكل لحومهم بالغِيبة ، والتنزه عن استخدام الأكاذيب والافتراءات وبث الاشاعات الكاذبة ، مع التزام الوقار والتوازن بعيداً عن المهاترات والتراشقات القبيحة التي تذكي نار الفتنة والخلاف

وفي الميدان الديني

التزام الورع والاشتمال على التقوى والانشغال بتقوية الصلة بالرب العظيم .

وفي الميدان الانساني

اعتبار المسلمين كافة أخوة يُحب لهم ما يُحب لنفسه من الخير، ويتعامل مع غير المسلمين على انه نظير له في الخلق، ويحفظ له كرامته كانسان لا بد من الحفاظ على حقوقِه وحرياتِه .

وهكذا .

-4-

أما حُبَّ الذات والنرجسية العالية – وهو ما عليه الكثرة الكاثرة من الناس – فانه يهمل العناية بالآخَرِ فتبدأ بالظهور ألوان المشاكل التي لها أول وليس لها آخر .

وهذا هو الداء الوخيم الذي نعاني منه اليوم .

وليس له من دواء الاّ الالتزام بمكارم الاخلاق التي من شأنها إشاعة روح الثقة والمحبة والتعاون والتكافل ونبذ الشقاق والنفاق والاختلافات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وبذلك تزدان الآفاق بأنوار الوفاق وهو المطلوب .

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة