الحرب والجوع والسودان… ثلاثية الموت والرحمة

كتب المحرر الاقتصادي

من بين اهم المخاطر التي تتهدد الشرق الأوسط وشمال افريقيا، اليوم جراء الحرب الروسية الأوكرانية، ارتفاع أسعار القمح، الأمر الذي يعني ان العالم العربي، بات مهددا اليوم بغذائه جراء هذه الحرب، باعتباره من دول الشرق الأوسط والتي يقع بعضها في شمال افريقيا.

يكمن التهديد ببساطة، في احتمالين، الأول: ان تتسع رقعة الحرب لتشمل البحر الأسود ودوله، والثاني: ان تضطر تركيا الى اغلاق مضايقها المائية، لتتجنب تهديدات الحرب المحتملة.

في حال تحقق أي من الاحتمالين، سيعني هذا عدم حصول أي دولة مهددة، على القمح، لأن روسيا وأوكرانيا، الدولتان التي تعتمد عليها كل الدول المعنية، في الحصول على القمح، لأنهما تنتجان ما يقرب من ربع انتاج العالم من القمح، وبما يعني ان على الدول المهددة، الذهاب صوب الولايات المتحدة وأستراليا، ودول بعيدة أخرى للحصول على القمح، وهنا ستضطر أي دولة من شمال افريقيا والشرق الأوسط ومنه العالم العربي، الى شراء القمح بأضعاف ما كانت تشتريه قبل اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية، وسيكون السبب وراء تضاعف السعر، ان الدول المنتجة سوف تستغل الأمر بدعوى ارتفاع أسعار الغذاء عالميا، إضافة الى كلف النقل البحري والشحن والتفريغ.

هذا الخطر الذي يحدق بنا اليوم، كان من الممكن تجاوزه قبل سنوات وسنوات، لو كانت فكرت حكومات الدول العربية – سيما الغنية والنفطية منها- والشرق الأوسط وشمال افريقيا، باستثمار أراضي السودان، هذي الدولة التي يطلق عليها اصطلاح سلة غذاء العالم، وسلة الغذاء العربي، فهذي الدولة التي تعاني اليوم من أزماتٍ اقتصادية متعاقبة، بإمكانها ان تطعم مليار شخص إذا استثمرت أراضيها الزراعية وثروتها الحيوانية بالشكل السليم.

السودان رحمة لم تقدر حق قدرها

تزيد مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في السودان عن 175 مليون فدان (الفدان يساوي 4200 متر مربع)، وتكشف دراسات سودانية رسمية، أن 20% فقط من الأراضي الصالحة للزراعة، يتمُّ زراعتها، ورغم كل ذلك يعيش نصف سكان السودان تحت خط الفقر، وفق تقارير للأمم المتحدة.

وتساهم الزراعة التي يعمل بها ملايين السودانيين، بـ 48% من الناتج المحلي الإجمالي للسودان التي تمتلك قدرات تؤهلها أن تصبح سلّة غذاء للعالم أجمع.

في هذا الصدد، صنّفت مؤسسة “غولدن ساكس الأميركية” عام 2016 السودان في المركز الأول ضمن الدول التي تمتلك أراضي زراعية غير مُستغلة وذلك بمساحات 80 مليون فدان. وفي هذا المضمار تقدّر المنظمات العالمية أنّ السودان لو استغل مقوماته الزراعية فسيصبح أكبر اقتصاد زراعي في العالم.

اللافت أنّ مؤتمر الغذاء في روما عام 1996، خرج بدعم التزامات الإنتاج الزراعي في دول السودان، أستراليا، البرازيل، كندا، واعتبر أنّ هذه الدول مؤمل عليها في سدّ نقص الغذاء العالمي لما تتوفر عليه من مقوّمات.

كل تلك الدول استغلت أراضيها بقوانين وتسهيلات إلاّ السودان، فهو لا يزال الدولة الوحيدة التي تقف عند محطتها الأولى حيث لم تحقق أمنها الغذائي بعد، والأمر اللافت للانتباه انها لا تمتلك الإمكانات المالية التي تؤهلها لاستيراد الاليات والمكائن والمعدات والتقنيات المتطورة، التي بإمكان الدول الغنية والمنتجة للنفط شراءها بيسر، لتعمل بعد استثمار أموال أخرى في الأراضي الزراعية السودانية.

هذه إضافة الى ان المشكلةُ الأساس تكمن في تنظيم الدولة لملف الزراعة، فالإنفاق الحكومي على الزراعة متدنٍ للغاية فلم يصل إلى 5%، حسب نائب رئيس اتحاد المزارعين، غريق آدم كمبال، والذي أضاف ان السودان تنقصها الطرق الحديثة في الزراعة، وعدم مقدرة الدولة الى تهيئة بيئة جاذبةُ للاستثمارات الزراعية الضخمة.

السودان أكثر من هذا تمتلك أيادي عاملة رخيصة تتمتع بخبرةٍ كبيرة، كما وتمتلك ثروة مائية قلما تتوفر في بلد عربي، اذ ضمّ أكثر من عشرة أنهر يتدفق بعضها بصورةٍ دائمة أو موسمية، وذلك عدا مياه الأودية والمياه الجوفية ومياه الأمطار، إذ يصل معدّل الأمطار السنوي، ما يزيد على 400 مليار متر مكعب.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة