منهاج لدون كيخوته عراقي

لما يتضمنه المنهاج الحكومي الذي نقترحه، من أحلام تكلست مفاصلها من طول الانتظار وشحة الشروط التي تحولها الى واقع، سنرفع قائمة تلك المطالب الى نسخة عراقية من بطل رواية الاديب الاسباني ميغيل دي سرفانتس (دون كيخوته) الذي قارع طواحين الهواء متوهماً نفسه يطيح بقلاع الشر، في زمن صارت فيه قيم الفروسية والشهامة مثيرة للسخرية والشفقة. لا يخفى على احد ما يعيشه العراق اليوم من حال وأحوال لا يحسد عليها، يتصدر منظومة العجز والفشل تلك؛ انعدام الامكانية الفعلية لتحويل التطلعات المشروعة والعادلة الى واقع، وقد تناولنا تفاصيل ذلك في العديد من المقالات والنشاطات. وهذا ما سنقتفي اثره مع التشكيلة الحكومية الجديدة برئاسة السيد مصطفى الكاظمي، والتي اقرها مجلس النواب بعد مخاض استمر لأكثر من خمسة أشهر. منهاج الحكومة الجديدة لم يفتقرللعناوين الاساسية؛ كاجراء الانتخابات المبكرة والتصدي لجائحة كورونا وتشريع قانون موازنة استثنائية واسترداد هيبة الدولة وحصر السلاح بيدها و… لكن تبقى الحيرة والعبرة في وجود الامكانات الفعلية لنقل مثل تلك التطلعات الى ارض الواقع.

سنقتفي اثر بطلنا “دون كيخوته” لاعلان الحرب ضد قوى الشر والاجرام والفساد، انتصارا للمنهاج الحكومي الواعد، من دون أدنى التفاتة لما افرزته المعادلات الفعلية وتوازن القوى بين الاقطاعيات السياسية والمالية واجنحتها العسكرية؛ من سموم ومناخات وبيئة حاضنة لكل ماهو متنافر وذلك المنهاج، ولا الى قلة حيلتنا وعدتنا في تنفيذ تلك المشاريع الواعدة. بداية وكي نمهد الطريق لاجراء انتخابات لا تعيد تدوير نفس البضائع النافقة التي تعرفنا عليها في الجولات الانتخابية السابقة؛ لا مناص من اتخاذ قرارات تعيد للعمل والنشاط السياسي، معناه ووظيفته التي مسختها قوافل اللصوص والقتلة والمشعوذين والمتطفلين على ذلك الحقل الحيوي؛ أي نشاط هدفه ووسيلته خدمة الشان العام. وهذا يستدعي قرارات حازمة وشجاعة لتجريد المواقع والمناصب السياسية من امتيازاتها ومخصصاتها المفسدة وجحافل الحماية واساطيل العربات باهضة الثمن، والمستشارين وما ينتهي اليه من غنائم نهاية “الخدمة” وغير ذلك من كوارث حقبة الفتح الديمقراطي المبين. عندما لا يغري العمل في الشأن السياسي، اللصوص والانتهازيين وكل انواع الحبربش السياسي والحزبي؛ ستسنح الفرصة لجيل جديد تهدهد عقله وضميره؛ الرغبة الشديدة لتسخير كل مواهبه وامكاناته لاهله ووطنه لا لشراهته وعقده النفسية.

نظرا لما تحمله خطوة اجراء انتخابات مبكرة، من توقعات متعجلة وبعيدة عما يروج لها من قدرات، وكي نعرقل قليلا من مساعي واستعدادات غيلان وحيتان المشهد الراهن، لاعادة تدوير نفوذهم وممثليهم داخل البرلمان المقبل، وما يفضي اليه ذلك من حصص في باقي السلطات؛ نحتاج الى اشراف اممي واسع ومباشر فيها، مع حزمة من القرارات التي تكبح هذا الطفح الهائل من “الاحزاب والكيانات” التي لا تمت بصلة لمعنى وشروط وجود الاحزاب الحديثة اصلاً. ومثل هذه الانعطافة في العملية السياسية، لن تحدث من دون ان تضع “الموازنة الاستثنائية” على رأس اولوياتها، الاسس لتقويض نمط الحياة الطفيلية (الريعي) والدفع بالمعتاشين عليه للانخراط بفرص العمل التي يتيحها نمط آخر لانتاج الخيرات المادية لا مكان فيه لكرنفالات الفرهدة وشفط المال العام، وتحويل الوظائف الحكومية الى وسيلة لتجنيد الاتباع والمصوتين في مواسم الانتخابات. هذه هي الخطوات التدشينية لمنهاج حكومي يعوزه طيب الذكر دون كيخوته..

جمال حصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة