كوثر بوزواية تراهن على العلاج بالفن

متابعة ـ الصباح الجديد:

ورشة الفنانة التشكيلية التونسية كوثر بوزواية في سيدي بوسعيد تزرع مشاعر الراحة والبهجة والسرور والطاقة الايجابية لدى المشاركين فيها على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم الفكرية والاجتماعية.
ها هي الذات في حلها وترحالها تنشد خلاصها تتخفف من ضجيج الأمكنة وتتشوف نحو ما به تخلص الى صفائها النادر ترى بعين الجمال والبهاء شيئا من جواهر العناصر والتفاصيل والأشياء تقول بالفن كملاذ جمالي نحو الآفاق الرحبة.
يتعب الكائن في يومياته بين التبدلات والمتغيرات المسرعة فتأخذه الأسئلة وقلق الأيام وتستبد به مسارات غير رغباته وذائقته.
هنا يذهب للتفاصيل الملونة وللموسيقى وللفنون يسائلها يرتجي حيزا من هدأة حاله وتوازن دواخله ليهنأ ويبتكر عواله الدافئة بحثا عن ذاته الأخرى.
انها لعبة التعافي والتداوي والتعالج من كل ماحف بالذات من العلل والعلامات المحيلة الى السقوط والاحباط..الفن هنا ومنذ القدم كان جوابا آخر من الأجوبة المداوية والمزيلة للعلل والأمراض وما يلقى النفس من المحبطات كل ذلك خصوصا زمن التسارع التقني والتكنولوجي.. زمن الجوائح.. زمن الحروب وما تخلفه من خراب نفسي.
هذه الذوات الهشة تعود للفنون نشدانا للخلاص والهدوء والسكينة ومن ثم اعادة اكتشاف الأنا بل والذهاب الى الابداع والابتكار بكثير من الثقة.. انه الفن في فعله النفسي والثقافي والحضاري والانساني تجاه الذوات الموجوعة والمنشدة للأمان والراحة…
والفن التشكيلي هنا ومنه الرسم كان المجال الحيوي لهذه الأحوال التي تتحول الى دوافع للشفاء بل وللابداع والتألق الجمالي.. فمن حالات القلق والمرض تلون الذات المرهقة أيامها لتنهض من جديد بعناوين البهجة والفرح والأمل ولتكتشف ممكناتها في الاضافة والابتكار والابداع والاحساس بالقيام بشيء نبيل وانساني وابداعي بما يعزز من قيمة الوجود وتأصيل الكيان والقيمة.
أسعى لكي أكون صادقة كفنانة ولي مهمة تأطير دقيقة فيها حساسية تمرير المعلومة والتكوين
قيمة الحضور والفعل والتشارك الاجتماعي والثقافي والانساني…والعلاج بالفن ضرب من ابراز الأحاسيس والعواطف وفق الجانب الابداعي وممارساته المتعددة وهو مجال ابداعي وعلمي ووجداني للمساعدة على ابراز الذات في عنفوان قولها كقيمة وحضور ووجود.
وفي هذا السياق يعرف جمعية العلاج بالفن الأميركية العلاج الفن بأنه «الاستخدام العلاجي لصناعة الفن في إطار علاقة مهنية من الناس الذين يعانون من المرض والصدمة أو التحديات في المعيشة أو الذين يسعون لتنمية الشخصية».
ويمكن للناس زيادة الوعي الذاتي وغيرها من التعامل مع الأعراض والإجهاد والتجارب المؤلمة وتعزيز القدرات المعرفية والتمتع بملذات الحياة من خلال إنتاج الفن والتفكير في المنتجات والعمليات الفنية… فانه يعتمد على الاعتقاد بان العملية الابداعية المشاركة في التعبير الفني عن الذات لمساعدة الناس على حل الصراعات والمشاكل وتطوير المهارات الشخصية وإدارة السلوك وزيادة الثقة بالنفس والوعي الذاتي، وتحقيق البصيرة.
يدمج العلاج بالفن مجالات التنمية البشرية والفنون البصرية (الرسم والتلوين والنحت وغيرها من الاشكال الفنية) والعملية الفنية مع نماذج من الاستشارة والعلاج النفسي.
ومن خلال تاريخ العلاج بالفن نجد أن التعبير الفني وجد منذ وجود الإنسان الأول ورسومات الكهوف تشهد بصحة ذلك الزمان، وإن رسم ذلك الفنان لتلك الأشياء لم تكن في أغلب الأحيان لمجرد المتعة والفخر بإتقان العمل الفني بل كانت الأهداف أعمق نفسياً
إن رسومات فناني الكهف كانت تهدف إلى علاقات لا شعورية مع موضوعات رسوماتهم، فلقد رسم ذلك الإنسان البري لينبه بخطره على المجتمع.
تعددت التجارب في هذه المجالات وهنا نذكر تجربة ورشة التعالج بالفن بسيدي بوسعيد التي هي بمثابة الأتيلييه المفتوحة على مختلف تلوينات الفنون التشكيلية.. هي ورشة للفنون التشكيلية تخص الرسم والسيراميك والمائيات والخزفيات والفنون اليابانية.
وتقول صاحبتها الفنانة التشكيلية كوثر بوزواية «منذ سنة 2011 نخوض هذه التجربة لنلاحظ سعادة المقبلين على هذا النشاط عندنا في الورشة حيث يشعرون بالراحة وهم يرسمون فمن خلال عملهم في الرسم عندنا هم يتزودون بشحنات الراحة والبهجة والسرور وكل ما هو ايجابي وهم من مختلف الأعمار والمستويات وأنا أوفر لهم الإطار لكل ذلك.. هناك تطور ملحوظ وأشعر بأن لهم رغبات في العطاء الجمالي وتقديم الاضافة والابداع والحرص على تحصيل المعرفة الفنية والانسجام».
وتضيف «لدينا حصص رسم وهي لقاءات تجمع بين الرواد وتربط بينهم من خلال الود والمحبة والتعارف وهو ما ينتج مجالا للحوار الفني وفق الحرص على المعرفة والابداع والانسجام… نعمل بتلقائية وبحرفية ودوري هو تأطير الجميع وتشجيعهم ويشفع ذلك بمعرض شامل لإبداعات رواد الورشة.
وتتابع «الكوفيد عطل الأنشطة ولكننا نواصل ونجتهد في عملنا لنبل وخصوصية رسالتنا الفنية الانسانية.. أنا أشجع كل الناس هنا على ممارسة الفن والرسم وخاصة في ظروف الحجر الصحي حيث الوقت ثمين ولا يمكن اضاعته في الضجر والفراغ والسقوط في الروتين…أنا في غاية الفرح حين يقبل علينا هؤلاء الرواد ويعملوا في الرسم ليقولوا لنا انهم لم يشعروا بمرور الوقت.. هذا يسعدني كثيرا …أنا أعمل في هذا المجال الابداعي النبيل ووفق هذه الأهداف وأسعى لكي أكون صادقة كفنانة ولي مهمة تأطير دقيقة فيها حساسية تمرير المعلومة والتكوين والتأطير للدارسين فنيا وجماليا وانسانيا».
في ورشة العلاج بالفن لكوثر بوزواية مجال لاكتشاف المواهب والطاقات المخزونة والتعاطي مع أفكار جمالية فيها الكثير من الابتكار والابداعية لنرى أعمالا فنية تحيلنا الى أعماقنا وذواتنا بكثير من حميمية الفن وجماله وبراءته ورقيه.. فعلا في هذه الورشة حالات فنية مختلفة عنوانها يود في النهر ما لا يوجد في البحر.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة