المسرح العربي في 2021.. ما بين الحسّين النقدي والتقليدي

أنور محمد

مرّ المسرح، ويمرُّ، بتحولات تاريخية، فمن المتعة على المنصَّة التي يحقِّقها المسرح الإغريقي، إلى الاشمئزاز والتألم من مشهد المصارعة الدموية على الحلبة الرومانية، ليتسلى الحكَّام والأباطرة بمنظر اللحوم والدماء البشرية بين فكّي حيوان ضارٍ، إلى المسرح الإليزابيثي والشكسبيري والبريختي، فالمسرح العربي الذي أخذ كما يبدو من كلِّ هذه وغيرها، والذي لم يكمِّل بعد من عمره القرنين، حيث لا تزال عروضه تراوح ما بين تقديم التسلية والمتعة. ففي العروض المسرحية التي قُدِّمت على منصَّاته، وخاصة التي في المهرجانات، أكان ذلك في أيام قرطاج المسرحية، أو مهرجان الكويت المسرحي، أو في مهرجان بغداد الدولي للمسرح، أو مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي، أو مهرجان المسرح العُماني، أو مهرجان ليالي المسرح الحر الدولي في الأردن.. وغيرها، سنرى أنَّها حتى بعد تعقيمها من السياسة تحمل قدرًا من النقد والمساءلات والاعتراضات لما يُكاد للإنسان.
في عروض من المهرجانات المسرحية لعام 2021، سواءً كانت محلية، أو عربية، والتي تقوم فيها روح المنافسة، قدَّم المهرجان الجزائري الوطني للمسرح المحترف عشرة عروض تنافست على الجائزة الكبرى للمهرجان في دورته الـ14، وهي: مسرحية «أرامل» لمسرح قسنطينة، من إخراج شهناز نقواش، ومسرحية «الجدار الخامس» لمسرح سيدي بلعباس من إخراج عز الدين عبار، ومسرحية «الصفقة» لمسرح تيزي وزو، مسرحية «نستناو فالحيط» لجمعية نوميديا الثقافية لمحافظة البرج، من إخراج حليم زدامو، ومسرحية «الزاوش» للمسرح الوطني الجزائري، من إخراج كمال يعيش، ومسرحية «لعبة العرش» لمسرح قالمة من إخراج عباس محمد إسلام، ومسرحية «سكورا» لمسرح سوق أهراس، ومسرحية «أرلوكان خادم السيِّدين» لمسرح وهران، ومسرحية «خاطيني» للمخرج أحمد رزاق، وهي المسرحية التي توجت بالجائزة الكبرى للمهرجان.هذا المهرجان كان قد أسَّسه الفنان الراحل محمد بن قطاف ليكون مهرجانًا عربيًا على غرار مهرجان دمشق المسرحي الذي كان تأسَّس عام 1969، واستضاف فيه فرقًا مسرحية عربية على مدى سنوات ترأسه إدارة المسرح الوطني الجزائري، ولكن بعد رحيله تحوَّل إلى مهرجان محلي.
ي السودان، هذا البلد العربي المنكوب بالفقر، والغني بالمثقفين والمبدعين، مثل الروائي الطيب صالح، والشاعر محمد الفيتوري، والمسرحيين مثل يحيى الحاج، وعز الدين هلالي، والريح عبد القادر، والفكي عبد الرحمن، وحمدنا الله عبد القادر، ويوسف عيدابي، والسر السيد، وغيرهم؛ أقيم مهرجان «هامش النيل» على خشبة المسرح القومي في مدينة أم درمان، وهو مهرجان محلي، شارك فيه عدد كبير من المسرحيين السودانيين، قدمت فيه 15 مسرحية.
في الأردن، أقيم مهرجان الأردن المسرحي الـ 28، وافتتح بعرض «طيور الأبابيل» للمخرج فراس الريموني، عن نص إياد الريموني، والذي تناول صقور سلاح الجو الأردني الشهداء، موفق السلطي، وفراس العجلوني، ومعاذ الكساسبة، كما شاركت فيه عدة مسرحيات، منها مسرحية «ليلة مقتل العنكبوت»، للكاتب إسماعيل عبد الله، وإخراج إلهام محمد.
في الكويت، أقيم مهرجان الكويت المسرحي الـ21، وهو أيضًا مهرجان محلي تنافست فيه ثماني مسرحيات: «زهور القبور» لفرقة مسرح الشباب، من تأليف وإخراج فيصل العبيد، و»الطابور الخامس» لفرقة المسرح الشعبي، من تأليف فاطمة العامر، وإخراج علي البلوشي، و»فوبيا»، من تأليف مريم القلاف، وإخراج عبدالله المسلم، لمجموعة السلام للإنتاج المسرحي، و»المشنوق الذي ضحك»، من إعداد وإخراج أحمد البناي عن رواية «المشنوق» للكاتب الكندي ميشيل ترامبليه لفرقة المسرح العربي، و»البروة»، من إخراج شملان النصار، وكتابة فلول الفيلكاوي لشركة تياترو للإنتاج المسرحي، و»مطلوب مهرجين»، من تأليف تغريد الداود، وإخراج عيسى الحمر لفرقة مسرح الخليج العربي، و»الموت الأبيض» لشركة فرانكو للإنتاج، و»الساعة التاسعة» لفرقة المسرح الكويتي. وقد فازت في هذا المهرجان فرقة المسرح الشعبي بخمس جوائز فردية، بالإضافة إلى جائزة أفضل عرض متكامل. ونستغرب من بلد كالكويت أن لا يكون عندها مهرجان عربي للمسرح، وهي الدولة الأولى في الخليج التي قامت فيها أول نهضة مسرحية، إضافة لدعمها القوي ماديًا ومعنويًا لسلسلة (المسرح العالمي)، التي ترجمت للقارئ العربي مئات المسرحيات من عيون الأدب الإنساني، وبأسعار رمزية. وهذه تُقدَّر وتُحسب للكويت، كون المسرح وحده من بين الفنون (تاريخيًا) لا يذهب إلى تحقيق الربح ـ المال، ولا إلى الاستهلاك، فهو يصرف المال ليحقِّق الوعي، فالمتعة والفرح، ولأنه هكذا فعل من قبل المسرح الإغريقي.
في العراق، وتحت شعار «لأنَّ المسرح يضيءُ الحياة»، أقيم مهرجان بغداد الدولي الثاني للمسرح الذي كان قد توقف لمدة ثمانية أعوام، بمشاركة فرق أجنبية وعربية، وشارك فيه 14عرضًا مسرحيًا من ألمانيا وبولندا ومصر وتونس وعُمان والأردن وسورية، إلى جانب العراق، وهي: «بيت الشغف» لهشام كفارنة، و»سوبر ماركت» لأيمن زيدان من سورية، و»ذئاب منفردة» لوليد الدغسني، و»منطق الطير» لنوفل عزارة من تونس، و»آه كارميلا» لأشرف محمد علي من مصر، و»جي بي أس» لمحمد شرشال من الجزائر، و»ليلة الأنحوتة» لإياد الريموني من الأردن، و»مدق الحناء» ليوسف البلوشي من عُمان، و»الكثافة السكانية.. قصّة انفجار» لكريزستوف بوبيليك من بولندا، و»میدیا ودسیر» لـفابیو روبرتو تولیدي من إيطاليا. وذهبت الجوائز فيه إلى: ماريا أسامة أفضل ممثلة واعدة، وأمير إحسان أفضل ممثل واعد، بينما نال جائزة لجنة التحكيم الخاصة الفنان رائد محسن، وأفضل نص هوشنك وزيري، وأفضل ممثلة صفاء رقماني، وأفضل ممثل حيدر جمعة، وأفضل سينوغرافيا نعم كودو، وأفضل إخراج جواد الأسدي، وأفضل أداء جماعي لفريق «منطق الطير»، وأفضل عمل متكامل مسرحية «تيل» الألمانية.
في تونس، وفي مهرجانها أيام قرطاج المسرحية الدورة الـ 22، شاركت عروض من تونس والمغرب والجزائر ومصر والأردن وفلسطين وسورية والعراق والكويت والسنغال وبوركينا فاسو وغينيا، وفازت 3 أعمال مسرحية بجوائز المهرجان هي: مسرحية «آخر مرة» للمخرجة التونسية وفاء الطبوبي بالجائزة الأولى، ومسرحية «آي ميديا» للمخرج سليمان البسام من الكويت بجائزتي أفضل أداء نسائي للممثلة السورية حلا عمران، وأفضل نص لسليمان البسام، ومسرحية «جي بي أس GPS» للمخرج الجزائري محمد شرشال بجائزتي أفضل ممثل لمحمد حواس، وجائزة أفضل إخراج؛ وكانت المسرحية قد فازت بجائزة السلطان محمد القاسمي في مهرجان المسرح العربي في الأردن 2019، وهي مسرحية تستحق الفوز كونها تطرح أسئلة فلسفية عن جدوى الحياة لناس فقدوا آدميتهم التي طحنتها عجلات التغريب والاستبداد، وتدور فكرتها وأحداثها بين مسرحية «ببجماليون» لبرنارد شو، ومسرحية «في انتظار غودو» لصموئيل بيكيت، حيث يضعنا المخرج محمد شرشال داخل محطة قطار مهجورة لتتصارع فيه مجموعة تماثيل مع النحات الذي صنعها، فتدب فيها الحياة حينما يقرر تدميرها، وهو ينتظر القطار الذي لن يمر.
في مصر، أقيم مهرجان القاهرة الدولي المعاصر للمسرح التجريبي، وشاركت فيه مسرحية «منطق الطير» من تونس، و»المدينة لي» من المغرب، و»آي ميديا» من الكويت، و»النسر يسترد أجنحته» من السودان، و»970» من فلسطين، و»هدوء تام» من البحرين، و»الخنزير» من السعودية، و»الملهاة الأخيرة» من الإمارات، و»ماريا زيتون» من إندونيسيا، و»يوم عادي في حياة الراقص غريغور» من إيطاليا ـ الدانمارك، و»مامي وأنا» من إنكلترا، و»أنتيغون» من اليونان، و»اتفاقات مع الإله» من ألمانيا، و»كاليغولا» من أوكرانيا؛ وفازت بجوائزه كل من أوكرانيا والإمارات وألمانيا.
في عروض 2021، وأغلبها عروض مهرجانات، يجب أن نميِّز بين اشتغال العرض المسرحي على الحس النقدي الذي يقدم مواقف من قضايا اجتماعية وسياسية، كما فعل المخرج الكويتي سليمان البسام في مسرحية «آي ميديا»، وهي مقتبسة عن نص مسرحية «ميديا» ليوربيدس، طرح فيها البسام قضايا الهجرة والنزوح وغربة واغتراب الإنسان في وطنه، ومن خلال سيطرة وهيمنة وقدرة المنصات الرقمية في التأثير والتحكم في إدارة وتوجيه الصراعات السياسية في العالم المعاصر، وبين اشتغالها بحس تقليدي ميكانيكي تمثيلًا وديكورًا وإضاءة، وهذه وقعت فيها أغلب العروض. لا نشك أن هنالك أعمالًا لمخرجين عرَّفت بهم المهرجانات في ما مضى، مثل أعمال المخرج المغربي، أمين ناسور، الذي شاهدنا له عرض «شابكة» في مهرجان المسرح العربي في القاهرة 2019. هذا المخرج الذي قدَّمه هذا المهرجان، وعرَفنا به، تراه في مسرحياته يسعى إلى تقديم الإنسان بصفته إنسانًا، وليس سلعة، فيدافع ويحمي حريته؛ يحمي آدميته. لا شك في أن هنالك مخرجين كان لهم حضور، كونهم أصحاب لمعات فكرية، مثل الجزائري محمد شرشال، وهؤلاء كمن يردون دينًا للعقل. ما الذي يجري على هذه الأمة من تهريب للأوطان، وتطبيع مع العدو الصهيوني، وتأليه للمستبد؟ مع هذا؛ هنالك مدٌّ وجزر ثقافي، ويُفترض في العرض المسرحي أن يحرِّض على الحرية، فحياتنا تبدو جامدة، أو مجمَّدة، وما من تعويض عقلي. لذا لا يمنع أن يأخذ بنا المسرح، أو أن يدفعنا نحو المغامرة الإنسانية، فنحن في ظل حكم الأنظمة القمعية محبوسون في خصوصيات فردية، نعاني من عدم الاستقرار، ومن الكآبة ـ مكتئبون، والمسرح يدفعنا لمواجهة هذه الحالات لا تمويهها.

  • عن ضفة ثالثة

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة