أنشودة المزامير.. في رواية (مزامير المدينة) لعلي لفته سعيد

عباس محسن الجبوري

مزامير ألمدينة، هي الاناشيد وحيث ما أطلق اللفظ فهم المعنى.. والمزامير أسم، وآلة موغلة في التاريخ، ولما كانت أسم فهي غير ملزمة في الوقت. والمدينة تعني المواطنة، أو مجتمع المواطنين. وهي كما تعرف لديها ثقافة والمعروفة باسم التمدن. وفي مزامير المدينة، لم تنغلق في المدينة بل كان نطاقها حاضرا، حيث تؤلف القرى نطاق المدن (حزامها) وهي أي المدن تشد أزرها بهذه القرى، وهكذا كان تعشيق الكاتب بين القرية والمدينة. لهذا كان النداء، التحذير، الاستغاثة « يا اهل الريف والمدينة».
الريف بطبيعة الحال يكون من طيف واحد، وعرق واحد، وعقيدة متجانسة، وهذا ما يحجم تعداد مزاميرها.
أما المدينة تتعدد فيها الأعراق والعقائد والأفكار، لهذا تتعدد مزاميرها.
في رواية (مزامير المدينة) محسن هو الشاهد، إنه لا يتذكر بل يذكر (من لا يقرأ الأدب ولا يحترم الكتابة لن تكون له مخيلة ولن يكون صانعا للجمال). لذلك كان محسن ينشد ويسمع الأناشيد، لم يكن صدى بل يشغل فضاء في صدى أناشيده، وهي ليست استلهاما لحدث، بل حدث بذاته، ولكي يطلق أنشودته كان يغني أناشيد المدينة (مزاميرها) وترنيمته» ان الحب لا يعني الحياة، بل ان تكون انت الحياة بشكل أجمل» ص٤٧
ألمثقف صوت شجاع أو قلم شجاع.. في الرواية أقترنا الاثنين معا، ولكن يبقى شموخ الكتابة لا يوازي مأساة الواقع.
ألواقع هو الفعل، والفعل ملزم بالوقت، لا كما الأناشيد هي اسم والاسم غير ملزم بالوقت، أي بالضرورة تكون متحررة، ولكن أحيانا تجعل، أو تطوع من حالة الى أخرى رغبة أو اضطرارا، وفي مطاوعة الوقت أو النفور من فلكه يحضر السؤال؟
هل المزامير تنشد ما يطفح به الواقع، أم الواقع هو من ينوت (ينوط) للمزامير. رغم أن المزامير ذو وصفةٍ واحدة. والزفير المتدفّق من أحشائها واحد. لكن النفخ فيه هو من يتعامل مع الواقع والعكس صحيح.. مزامير تنشد لهز الجسد، أو استنهاض الروح بتلوي الجسد. ومزامير تئن قبل الأنين. وأخرى تنظم الانضباط والتذكير بالطاعة. وأخطرها من تعلن شفرة الحرب.
في الرواية جعل الراوي المزامير متحفا تارة، وتارة يرافق ضارب الطبل لإيقاظ النائمين ساعة السحر. وأخرى على الروابي. وأحيانا في ساحة أو ميدان الاستعراض.
منها ما ذكر
مزامير المدينة: هي الأناشيد كان ينشدها ويسمعها وهي تتفاعل مع طبلة الأذن ونياط القلب، وأناشيد الروح.. لكنها صامته!! والتي لا تشبه أناشيد البلاد. ص١٥٠
مزامير روحك.. تعرف أدعيتك وهي مزامير الخلاص ص٢٦٥
الحروب أناشيد: هي أناشيد ظرفية تنتهي بانتهاء مواسمها. وهي ناتجة من اضطراب الفكر لتتبعها أناشيد الجوقة، مأمورة ومضطرة، لأن الحروب كل ما لها من خسائر، وعوق في الجسد والروح» ضحايا بلا موسيقى»
الأناشيد الوطنية: هي إعلان الفائز بأوهام النصر على لسان الغجر.. لأنها كلما انتصرت فيها خسرت. لأنها على أرضك وبين أهلك.
مثلما للمدن مزاميرها.. للأمم مزاميرها…
ولكن عندما يعتقد الفرد أو هكذا يتراءى له أنه الأناشيد وينبغي ضم المزامير الأخرى الى جوقته، هو وحده من يمتلك نشيد السماء، وبهذا يمتلك الأرض. هنا يحصل النشوز وكما أسلفنا تكون أناشيد الروح صامته ولا تشبه أناشيد البلاد. بصورة أخرى يمكن طرح السؤال التالي وإن كان افتراضيا: ماذا لو حدث أن توحدت المزامير في رهط واحد لأنشودة واحدة وفي وقت واحد؟ هنا العازف لا ينظر للمكان على أساس الجغرافية، بل على أساس الوعي والثقافة.. لأنه أصلا يعاني من قلق المكان» لا أنت من الجنوب ولا أنت في هذه المدينة تعلن الثبات»
« ولا لمسقط لرأسك يحملك ولا مدنا للمكوث فيها»
مع معرفته، إن ليس كل (نافخ) يجيد العزف ولو كان كذلك لكان كلهم منشدين.. ولا بالضرورة يعتمد على وزن وضخامة هذه المزامير. ولو كان كذلك لكانت العملة تساوي وزنها.
بين اضطراب المكان، واستقامة أو تهدّل صيوان الأذن يتدفّق السؤال من بين رفيف الكلمات.
لمن تعزف المزامير..؟! ويتناهى صوت من الأقاصي جواب بسؤال (لمن تقرع الأجراس)
تترادف.. تتوالى الأجوبة.. ربما.. ربما للقبور.
القبور.. إنها طمر من على الأرض الى تحتها. ما يعني إن ما يؤد أو يدفن تحت الأرض أكثر ما ينتج أو ينبت فوقها.. وهذا عمل حفار القبور، وهو مختار الحي الميت.. وحتى الغناء داخل القبر ليس له صدى.. بل هو ميدان البكاء بنشيد الفجيعة.. الألم والفجيعة لم تتوقفا..هي امتداد صرخة من صالة الولادة الى….مغتسل الموتى.
ستظل المزامير، من يمسكها، من يسمع، أو يستمع أناشيدها، من يتأملها ويراها..
مَن مِن هذه الأناشيد التي تهتز بها الناس جذلى، وتمكث في الضمير والذاكرة؟

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة