العصابات تستقل سيارات “تاهو” وتنفّذ أغلب جرائمها في الرصافة
بغداد ـ إيناس جبار:
أكد قضاة متخصصون في محاكم التحقيق والجنايات انحسار عمليات الخطف في المدة الأخيرة، مقارنة بالفترات الماضية التي شهدت فيها هذه الجريمة ذروتها نتيجة الفراغ الأمني الذي خلفته المعركة مع تنظيم داعش الإرهابي، بحسب القضاة.
وكشف القضاة أن جانب الرصافة في بغداد هو الأكثر استهدافاً لعمليات الخطف سيما الطرق الخارجية السريعة لصعوبة تغطيتها أمنياً، مؤكدين أن الوقائع كشفت أن العصابات غالبا ما تستقل سيارات نوع (تاهو) و(بيك اب) بدون لوحات، فيما أشاروا أن مبالغ الفدية قد تصل إلى (400) ألف دولار أميركي بحسب الحالة المادية للضحية.
واسهمت التقنيات الحديثة في إلقاء القبض على الكثير من عصابات الخطف، كما أكد القضاة، مشيرين إلى امتلاك القضاء قاعدة بيانات واسعة ساهمت في كشف أماكنهم وهوياتهم.
وقال القاضي سهيل عبد الله سهو رئيس الهيئة الثانية في محكمة الجنايات المركزية أن “اغلب دعاوى الخطف المعروضة أمام المحاكم ذات دوافع مادية، إذ تشكل هذه الجريمة ما يقارب 90% من جرائم الخطف، أما المتبقية فتشمل جرائم الخطف الاعتيادية”.
وأضاف عبد الله إلى “القضاء” إن “الخطف إذا لم تصاحبه مساومة على المال يعتبر خطفا عاديا ويحكم المدان به على وفق المادة 421 من قانون العقوبات التي تنص على الخطف لمجرد حجز الأشخاص وتقييد حرياتهم”.
وازدادت في المدة الماضية جرائم الخطف في بغداد وبعض المحافظات، حتى أن هذه الجريمة تنظر استنادا إلى قانون مكافحة الإرهاب الذي يعتبر أشد القوانين الجزائية في العراق.
إلى ذلك يقول القاضي عبد الله إن “المادة الثانية / 8 من قانون مكافحة الإرهاب اعتبرت خطف أو تقييد حريات الأفراد أو احتجازهم للابتزاز المالي أو لأغراض ذات طابع سياسي أو طائفي أو قومي أو ديني أو عنصر نفعي من شأنه تهديد الأمن والوحدة الوطنية والتشجيع على الإرهاب، اعتبرت ذلك فعلا إرهابيا، لذلك فأن المدانين بعمليات الخطف يتم إصدار العقوبة بحقهم بموجب قانون مكافحة الإرهاب”.
وعد قاضي الجنايات أن “جرائم الخطف من الجرائم المنظمة فالعصابات تختار أفرادها من ذوي الحاجة لاستغلالهم واغرائهم بالمال ثم يبدأ التخطيط والتنفيذ والمساومة على المال مع ذوي الضحايا”، لافتا إلى ان “طرق تنفيذ عمليات الخطف مختلفة وكثيرة ففي بغداد مثلا حصلت عمليات استدراج للضحايا عن طريق النساء واستدراج الضحايا بالغواية أو عن طريق رواد النوادي الليلية، إذا تبدأ عمليات الخطف بمتابعة الضحايا والسؤال عن أحوالهم المادية ومراقبة أوقات دخولهم وخروجهم إلى أماكن عملهم لغرض اقتناص الفرصة المناسبة لتنفيذ العملية”.
ويوضح القاضي أن “المحكمة اكتشفت من خلال اعترافات العصابات التي القي القبض عليها أو التبليغ عنها أن عمليات الخطف غالبا ما تتم بسيارات (تاهو) سوداء اللون غير حاملة للأرقام او سيارات بيك أب”، لافتا إلى أن “أغلب الجرائم تتم في جانب الرصافة أكثر مما في الكرخ وتحديدا في مناطق شرق القناة تنشط عمليات الخطف وعلى طريق محمد القاسم او الكرادة”.
وعزا أسباب استهداف الضحايا في هذه الأماكن إلى أن “هذه الطرق لا تتوقف فيها السيارات وعدم وجود ازدحام وكذلك لأن شوارع بغداد الداخلية تنعم بوجود الأجهزة الأمنية بكثافة بعكس الطرق الخارجية كسريع محمد القاسم الذي يحتوي أيضا أكثر من منفذ”، لافتا الى أن “اغلب المناطق التي يتم حجز المخطوفين فيها هي مناطق التجاوز أعالي مناطق الرصافة”.
وعن اختلاف الأحكام الصادرة بحق المتهمين يقول القاضي عبدالله ان “لكل جريمة ظروفها، لكن عقوبة الإعدام هي المعمول بها في أكثر القرارات لاسيما عندما يكون المتهم له سوابق ومرتكب أكثر من جريمة”، مشيرا إلى أن “هناك متهمين لم يسبق لهم ارتكاب جريمة او قد يكون شاباً في مقتبل العمر فتكون العقوبة أقل شدة ويحكم بالسجن المؤبد”.
من جانبه، يرى قاضي تحقيق المحكمة الجنائية المركزية أن “حركة الخطف نشطت بعد شهر تشرين الأول من عام 2014 أي بعد دخول “داعش” الإرهابي إذ بدأت العصابات تقوم بعمليات الخطف وكانت غاية الغالبية العظمى من العمليات الابتزاز المادي”، لافتا أن “العامين 2014-2015 يعتبران الذروة في نشاط هذه الجريمة”.
ويضيف قاضي التحقيق أن “خلية شكلت خلال 2015 في عمليات بغداد مختصة بمكافحة الخطف، وتعرض هذه الخلية أوراقها على محكمة التحقيق المركزية”، مشيرا إلى أنها “حققت نتائج إيجابية عالية من خلال التقنيات الفنية المستخدمة وساهمت بالقبض على اعتى عصابات الخطف”.
ويرى قاضي تحقيق المركزية أن “جريمة الخطف لا تقل بشاعة عن جريمة القتل لكون عائلة الضحية تعاني ضغوطا نفسية صعبة وتبعات عديدة تسبب الأذى لكل أفرادها وليس للشخص المخطوف فقط”.
وعن المبالغ واقياهما في عمليات الخطف والمساومة أوضح أن “المبالغ ليست محددة أو لها مقياس معين فهي تتراوح من 200 إلى 400 ألف دولار أميركي، وهذا الفرق بالمبلغ تابع للعملية وأحوال المخطوف وإمكاناته المادية، فغالبا ما يدرسون الحالة المادة للضحية دراسة كاملة ويكون طلب الفدية حسب إمكانيتها، ولكن غالبا ما يكون المبلغ النهائي بعد المساومة والاتفاق”.
ويعرج القاضي على أهمية “الوسائل الفنية كونها العامل الأكبر في التوصل إلى الخاطفين لاسيما في مرحلة المساومة”، لافتا الى انه “في بادئ الأمر كنا نفتقر إلى قاعدة بيانات ومعلومات عن العصابات لكن بعد العام 2016 بدأنا بتكوين قاعدة معلومات عن طريق جمع الأدلة واعترافات أفراد العصابات ممن يتم القبض عليهم”.
ويواصل حديثه “في العام 2017 تم القبض على اغلب واخطر العصابات ومن أبرزها عصابة مختصة في خطف التجار واصدرت العديد من أحكام الإعدام بحقهم”، مشيرا إلى انه “تمت ملاحظة ان العصابات الكبيرة عند القبض على أفرادها فان الأفراد الهاربين يشكلون عصابات جديدة وهذا احد العوامل التي أسسنا قاعدة بيانات بسببها إضافة الى ان هناك زعماء للعصابات لديهم أكثر من عصابة موزعة في مناطق مختلفة من بغداد تمكنا من القبض عليهم ساهمت بتوفير معلومات عنهم”.
وخلص بالقول الى ان “استغلال الفراغ الأمني وذهاب الجيش والشرطة لساحات القتال ولد تلك العصابات وبعد تحقيق النصر انحسرت تلك العصابات لاسيما بعد تشكيل خلية الخطف وتأسيس قاعدة بيانات”.
من جانبه يعلق القاضي خضير سلمان بشأن التكييف القانوني لجرائم الخطف قائلا ان “المشرع العراقي أدخل قسما من جرائم الخطف ضمن الجرائم الإرهابية نظرا للبواعث من ورائها فان دافع الجريمة المطلق هو دافع طائفي أو ابتزاز مالي لذا شدد القانون العقوبة على مرتكبيها”.
وأضاف سلمان أن “جرائم الخطف التي تحصل في مناطق المحمودية والاقضية والنواحي باعثها هو الابتزاز المادي أو الطائفي كون الصفة الغالبة على المنطقة العشائرية والتذبذب الأمني فيها”.
يضيف “بعد التحقيق وجمع الأدلة والتوصل إلى البواعث فأن قاضي التحقيق يصدر قراره بإحالة الأوراق التحقيقة إلى محكمة التحقيق المركزية لإكمال التحقيق فيها وحسب الاختصاص النوعي عندما تكون الجريمة خاضعة لقانون مكافحة الإرهاب”.
ويذكر سلمان أن “هناك بواعث أخرى الخطف منها انتقامية أو عشائرية يتم إكمال الإجراءات التحقيقة فيها ومن ثم تتم إحالتها إلى محكمة الجنايات في الكرخ لمحاكمة المتهم وفق مادة الإحالة مثل جريمة الخطف (الإناث) وفق أحكام المادة (377ق ع) في حالة كون المجني عليها متزوجة”.