ابتسام يوسف الطاهر
الكاتب الروائي والصحفي الشهير ادواردو غاليانو في كتابه كرة القدم في الشمس والظل، جعلنا بعين الصحفي اللاقطة وعين الكاتب الدقيقة، ندخل عالم اللاعب مرة وعالم المشجع وصلته بفريق الكرة.
فهو يرى ان كرة القدم مرآة للعالم تقدم الف حكاية وحكاية. فيها المجد والاستغلال فيها الحب والبؤس. يعيد غاليانو الى بؤرة الضوء حشدا كبيرا من الذكريات واللحظات الساحرة. ويعترف في المقدمة «مثل كل الاطفال في الاوروجواي أردت ان أكون لاعب كرة كنت جيدا فيها فقط في الليل في اثناء النوم! ولكن خلال النهار كانت قدماي قطعتي خشب. بعد سنوات تعلمت أن ارضى بما أنا عليه..أجول العالم وفي كل ستاديوم اصيح مع الجمهور «حركة افضل لخاطر الله».
لست من المغرمين في متابعة كرة القدم لكن بطولة كأس العالم لها نكهة خاصة ومتعة في المتابعة..فتتمنى لو ان التنافس العالمي يتوقف هنا على ابداع الفرق في تنافس راق وشريف. لا حروب لا تسابق في التسلح والقتل..كذلك المتابعة تجعلك تقارن لعبة كرة القدم بمناحي الحياة. ان تخطو لهدفك مع الفريق، ستصله حتما. ولكن اذا حاولت التفرد وسرقة الاضواء والشهرة بلا تعاون مع الاخر سيكون مصيرك الفشل.
وانا اتابع بعض مباريات كرة القدم لكأس العالم تذكرت كتاب غاليانو المذكور، حيث قراته منذ سنوات..فرجعت لدفتر ملاحظاتي من ثم اعدت قراءته بالإنجليزي..متعة قراءته كانت تشبه متابعة لعبة كرة القدم لفريقين متمكنين ويلعبان بلا حيل تمثيلية ولا غش ولا خشونة. فقد جعل الكتاب فصولا تربط بين بطولات العالم في كرة القدم والاحداث السياسية العالمية. ومن بين الفصول ينتقد سياسة الاستغلال والتسلط الرأسمالي على العالم وبالوقت نفسه ينقل لنا مشاهد مضيئة.
فنعرف مثلا ان البير كامو الروائي الفرنسي الشهير كان حارس مرمى فريق كرة القدم حين كان طالبا في جامعة الجزائر التي ولد فيها.
وولع ايطاليا بكرة القدم واعجابها بابطال الكرة من اميركا اللاتينية «جعلها تلفق لبعضهم اجداد ايطاليين ليحصلوا على الجنسية الايطالية، وتدفع المبالغ الطائلة لهم. وهذا جعل بعض الدول تدفع اموالا كبيرة للاعبي كرة القدم مما ولّد فكرة الاحتراف» وتحول اللاعب من فنان الى مأجور. وصارت كرة القدم تجارة رابحة للفرق والنوادي والقطط السمان الذين يسيطرون على تلك التجارة.
في عام 1928 فازت اورغواي وكان ايتيلو نارانيشيو مسؤول هناك، قد رهن بيته خلال 24 ساعة ليوفر ثمن تذاكر السفر للفريق. وعلق بعد فوزهم «لم نعد تلك البقعة الصغيرة المنسية على خارطة العالم».
مع كل بطولة كان يسجل الكاتب رؤياه لأحداث جسام مر بها العالم «في نيكاراغوا يخسر الساندينيون الانتخابات بعد ان هدهم التعب خمسة عشر عاما من حرب ضد الغزاة المسلحين المدربين على يد الولايات المتحدة»
«في التسعينيات سور برلين يباع فتاتا وتبدأ عملية توحيد المانيا، وتفكيك يوغوسلافيا.. ويتحول البيروقراطيون في اوروبا الشرقية الى رجال اعمال.
في نهاية كل فصل يكرر جملة ساخرة: «مصادر حسنة الاطلاع في ميامي تعلن ان سقوط كاسترو بات وشيكا وانهياره هو مسألة ساعات» خاصة وتلك المصادر كان تعتمد على خطط السي آي أي الاميركية في محاولاتها العديدة لإغتيال الزعيم الكوبي كاسترو.
عام 1985 سرق كأس العالم من البرازيل وبيع بعد صهره وتحول الى 2كغم من الذهب الخالص. ووضع مكانه كأسا مزيفا في الواجهة الزجاجية!
في البرازيل لاسيما يوم الاحد يمكن لأي شخص أن يموت من الانفعال وهو يتابع مباراة كرة القدم. وقد يموت من الملل اذا لم تكن هناك مباراة.
بالرغم من ارتفاع المد العنصري كان افضل لاعبي كرة القدم في اوربا هم من الزنوج. رود خوليت الملقب بالزنبقة السوداء، كان بين مباراة واخرى يحمل قيثارة ويغني ضد (الابارتايد) التفرقة العنصرية في جنوب افريقيا. في 1987 اختير افضل لاعب في اوروبا فاهدى جائزته (كرة ذهبية) الى نيلسون مانديلا الذي كان مايزال سجينا لاقترافه جريمة الايمان بأن الزنوج بشر.
يعرف الكاتب بطريقة سلسة وممتعة كل من له علاقة بلعبة كرة القدم، اللاعب والجمهور، وحارس المرمى «يسمونه احيانا البواب، الحارس، حامي الشبكة..الخ ولكن بالامكان تسميته بالفدائي، الشهيد، الصابر…وحيدا يراقب اللعبة من بعيد لا يترك المرمى ابدا..كان يلبس الاسود مثل الحكم. لم يسجل هدفا فعمله هو أن يصد الاهداف..يحمل الرقم الاول على ظهره. الاول من يُدفع له؟ ابدا. بل الاول من يَدفع، فهو الاول من يُلام اذا خسر الفريق. حتى في حالة ارتكاب احد اللاعبين خطأ فهو من يدفع الثمن..حتى الجمهور لايغفر له ان مرت الكرة من فوق رأسه أو من بين قدميه..»
عن الجمهور the Fan.. يقول « المشجع لايقول عن الفريق هم لعبوا..بل نحن لعبنا أو فريقنا سيلعب اليوم..هو يعرف انه اللاعب رقم 12. فهو من يحرك الريح اذا الكرة اصابها الخدر. والفريق بلاعبيه الأحد عشر، يعرفون ان اللعب من دون جمهور كالرقص بلا موسيقى».