ابتسام يوسف الطاهر
في نهايات السبعينات زرنا بيت الشاعر عريان السيد خلف في مدينة الثورة، حيث كانت مدينة الشعراء والمبدعين-استقبلنا ابوايمان، ابوخلدون فيما بعد، بحفاوة واريحية تليق بالشعراء لاسيما الشعراء اصحاب قضية ومبدأ، وكم من ضريبة يدفعها الشعراء من اجل مبدأهم وقضيتهم في حب الوطن والناس. لذا كانت كل قصيدة له مغناة او مقروءة، في الغزل او الحب نقرأ مابين سطورها نقد ورفض لما مر به العراق من ظلم واستهتار باحلام الناس وارواحهم.
بعد فسحة الامل القصيرة جدا كتب قصيدته الرائعة «روحي على الشاطيء حمامة والسما انفرشت حرير،والفرح جنحانة عشرة ياجنح وياها طير..شحلاتة البالفرح ﮔلبه يحير»…بعدها غنى له الصوت الجميل قحطان العطار «يـﮔولون غني بفرح وانا الهموم غناي..بهيمة زرعوني ومشو وعزوا علية الماي…» بعد الهجمة الجبانة التي مارسها البعث ضد حلفاءه اليساريين واضطر الكثير منهم للرحيل. وتوزعت حقائبهم بين مدن الشتات. وانقطعت اخبار الناس سوى ما تتناقله وسائل الاعلام عن حروب البعث وعبث الحصار.
في بداية الالفين فوجئت بدعوة لحفل استقبال عريان السيد خلف في لندن ضمن محرري ورئيس تحرير جريدة بغداد حيث عملت لبضعة شهور. كنت سعيدة بلقاء قامة شعرية مثل عريان. وفوجئت انه يتذكر زيارتنا له في السبعينات بالرغم من العقود التي مضت. عرفت فيما بعد انه كان يجاملنا وربما الفرح بلقاء رفاق الأمس، فقد التقيته في 2007 في اروقة جريدة طريق الشعب فلم تسعفه الذاكرة يومها. كثيرون لم يحضروا تلك الامسية لأن الشاعركما قالوا كتب قصائدا تمدح صدام! انتقدتهم وقتها، حيث كفاه فخرا انه بقي هناك صامدا بوجه ارهاب البعث والحصار، فلايمكن ان نلغي تاريخ شاعر اتحفنا باجمل القصائد واحلى الاغاني بسبب قصيدة ربما قالها مجبرا، فهناك من لبس الزيتوني وحمل السلاح ودبج المدائح لصدام، واليوم يستقبلون بالمحافل احسن استقبال! والحقيقة لم اقرأ له قصيدة من ذلك القبيل. فهو من قال:أنكطع خيط الوفه/ وضيعنه الآمال، وكثر حجي الجذب / والمستحه أنشال ..»
بل كتب قصيدة عتاب لعبد الكريم قاسم لانه لم يعدم المجرمين البعثيين:
يا سيد العفة ويانزيه الروح
ويا رمز الشجاعة.. الحّد تواليها
يملاكَي الرصاص اعيونك امورثات
زلم الغدرتك.. ما ظن زلم بيها
فقد قال الشاعر بحر العلوم»طرقتُ على الحقيقة ألف باب / فلم أسمع لها رد الجواب، فلم ألحظ أمامي غير لصٍ / تستر بالعمامة والخضاب، فيمنحُ من يشاء صكوك عفوٍ / ويدفع من يشاء إلى العذاب.
سيبقى الشاعر في ضمائر كل محب للشعر والعراق والغناء.