عريان السيد خلف والعاطفة المتوارية

علوان السلمان

الشعر تشكيل لغوي فني مشحون بعاطفة متوارية خلفه تتجلى في قدرة اللغة..العنصر الذي يسهم في التواصل الفكري والقادرعلى امتصاص الوجدان..كونه تعبير عن فلسفة الوجود الانساني وموقف اجتماعي عبر اشارات تفرض حضورها بتفتحها على مضامين انسانية يشغل وجودها الذات والموضوع بوحدة موضوعية حاملة صورا يخلقها الشاعر بوساطة خياله ولغته الشاعرة.. الشفيفة البعيدة عن التقعر والضبابية..
والشاعرعريان السيد خلف الذي يشكل(واحدا من الاصوات الشعرية المتميزة في شعرنا العراقي المعاصر..)على حد تعبير الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد..كونه يعد منشورا سياسيا وعاطفيا وانسانيا مع اطلالته الاولى التي شكلت امتدادها الشرعي للتجربة النوابية في (الريل وحمد) 1956 ـ 1958..والتي تعد نقلة نوعية في عالم القصيدة الشعبية شكلا ومضمونا فتسيدت مسيرة التجديد والحداثة الشعرية.. فهو في مجموعته الشعرية الكاملة التي يقول عنها(ان هذه القصائد مقاطع من الغناء الموجع الحميم احمله عبر ليالي الرحيل الباردة والمليئة بالريح والمحطات والتعب الشاق..)ص10..
همت…
من غير راحة بال..
بس طرواك تبرالي
على جروحي الجروح تنوح
ص26
فضلا عن تجاوز القوالب الجاهزة بحكم امتلاكه معجما لفظيا متفاعلا والبيئة بنبض جمالي ولغة شفيفة يشكل الوعي احد ركائزها الثابتة وهي تعبر عن مناخ نفسي واجتماعي..
وكحة النفس ما تفعل تلين
منبت حزن ومخالف سنين
والليل لو سد الروازين
شمسين حمرة يخضر الطين /ص99
فالنص عند الشاعر يمنح نفسه للتأمل الفكري من اجل الكشف عن هواجسه من جهة والجمالي والفني والروحي من جهة اخرى بتوظيف الالفاظ المتناغمة الشفيفة في خلق صوره الشعرية الحسية والذهنية التي يسجلها عبر مشاهداته والتقاطاته الصورية التي حققت ما يثير الدهشة ويحرك الخزانة الفكرية لمتلقيها من خلال الوعي التجديدي الذي تجسده مغامراته الشعرية التي خلقت نصا يدغدغ الفكر بحفرها في افق الذات المتجاوزه واقعها صوب عوالم الحداثة الشعرية التي تعتمد وحدة الموضوع مع تماوج الايقاع الداخلي والخارجي وتداخلهما بناءا شكليا..
وكتلي عشك الماي..
عشك الماي زخة
وعشك البنادم نفس
وضيعاني بماي شوكك
شوك باجر
ضيعاني..
وما لكتني جفوف امس
اوردت اصيح كبال جرحك
ردت اكلك..
ها..
وجاني الصوت اس /ص81 ـ ص82
فالشاعر يقدم صورة متحركة نابضة بالحياة والانفعال والتفاعل التصاعدي من خلال توظيفه تقنيات فنية في مقدمتها الرمز المزدحم وجوده في ذاكرة الشاعر بدلالته الموروثة المرتكزة في الوجدان والتي اسهمت في تنوع فضاءات الخطاب الشعري عبر مكوناتها المتعددة وتشكيلاتها المتمثلة في الرمز الديني والتاريخي والتي تحقق اهدافا معنوية من خلال التمثيل والمشابهة بالدلالة..فضلا عن انها تسهم في البنية الموضوعية للنص ..
وعذابه…
او لا عذاب (ايوب)
مر ..مرة اعله بيبانه /ص49
وقوله:
دفك عينك زمانك ليل
ليل ايريدله انطاره
مو كلشي الجليته ايطيح زنجاره
ولا كلمن يموت ايضيع تذكاره
هلبت مات جيفارا
او هلبت
هوشي منه
انكطعت اخباره /ص39
فنصوص الشاعر تعتمد الارتداد الزمني باستحضار الشخصية الرامزة التي تسهم في تنامي المعنى وتكثيف الصورة الشعرية ..فضلا عن عناق الازمان ..اذ يتعانق الحاضر والماضي من اجل تشكيل نص شعري تشكيلا جماليا..معرفيا..يعتمد القاموس الحياتي بواقعية فيستنبط مفرداته من عمق المشاهد والاحداث التي يكتنز بها هذا الواقع وهي تتمتع بحرارة الكلمة المؤطرة بدفئها..
اهواك ياموطني لو جنتك ناري
وانزفلك الدم شعر واهديلك اشعاري
كل يوم نكعد سوه واحجيلك اسراري
تفكدني من ابتعد وتزورني بداري
وابجيلك بلا دمع واشرحلك الجاري
معذور من سرني
ومعذور من لامني
كلبي على موطني /ص164
فالنص يحيل متلقيه الى الشيئية وعوالمها ..اذ تعامله مع الاشياء وانسنتها مع مناجاة نفسية تسهم في توالد الصور حتى نهاية التوتر بلغة شاعرة تفيض بانثيالات روحية تغلف مفرداتها..كون الشاعر يعي لهجته المضيئة فنيا باستحضار مفردات البيئة وتراكيبها..وهو يصور احداثه تصويرا سرديا يعتمد الحركة والحدث والحوار الداخلي(المونولوجي) عبر صوره الفنية المثقلة بالافكار والمضامين التي تقتضي المنطق والعقلانية التي تفضي الى انسانية هذه المضامين..
اما تقانة التكرار التي تشكل دلالة نفسية حيث (يفرغ الشاعر حاجاته ومشاعره المكبوتة ليعيد التوازن الى حالته الطبيعية) على حد تعبير الشاعرة نازك الملائكة..اضافة الى انه نمط صوتي يتصل بالذات الشاعرة ويسهم في تلاحم البناء الشعري وترابطه عبر نغمة موسيقية منتظمة..وهذا يعني ان التكرار عند الشاعر يحقق هدفين اساسيين :اولهما ايقاعي اذ انه يسهم في تطوير ايقاع النص وتعميق طاقته الموسيقية..وثانيهما دلالي..
وبذلك فالمجموعة العريانية هذه شكلت لحظات خصبة امتازت بعمقها الفكري وصياغتهاالفنية .. وبعدها الجمالي ونسجها الموضوعي الذي يكشف عن تشكيل تراثي وقدرة متجاوزة للمألوف..وهي تنبض بوعي العصر ..فضلا عن تماسكها ووحدتها الموضوعية وتميزها بصدق تجربتها وغلبة افكارها الواقعية مع تلقائية التعبير في تشكيل جملها الشاعرية والقيم العصرية والغوص في اعماق الذات ومشكلاتها بعمق ابداعي متفرد بامتياز عبر خطاب شعري متسام بحضور جمالياته الفنية المتكأة على لغه وسيطة تمزج ما بين لغة (المدينة والريف) كي تحقق تفاعلا مع دلالة النص ونموه الفني ..وهذا يكشف عن امتلاك الشاعر قدرة تطويع المفردة المتداولة وخلق لغة متشكلة من خزين الذاكرة الريفية والمعاصرة المدنية وتقديمها بنسيج متماسك في نصوصه التي تحتضن بريقها اللفظي وموسقة جرسها الايقاعي المتناغم..
دك علي الباب كلبي
كبل ما جاوب يجاوب
وابتسملي الدنية تحلة
واحس كل الناس يحبيب حبايب
وتدري
من تكبر على اشفافك بسمتك
يكبر بكلبي الهوى
ومجبور اعاتب /ص192

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة