لندن – ابتسام يوسف الطاهر:
اقام المقهى الثقافي العراقي في لندن أمسية احتفت بمنجز الفنان التشكيلي جلال علوان، الذي له عدة اعمال فنية لا تخضع الى مدرسة واحدة، او تصنيف محدد. فهو فنان حر يطوع كل ما متوفر من مواد بصرية وحسية ويوظفها لتنفيذ افكاره الفنية، فبعضها خليط بين النحت والتجريد، واخرى تجمع بين فن التصوير والسينما، واستعمال كل ما توصل له العلم في الاختراعات الالكترونية من كمبيوتر وفوتوشوب وغيرها.
شارك الفنان جلال في تنفيذ مشاريع فنية وثقافية متعددة، وله عروض فنية فردية وجماعية. يقول: «الفن بالنسبة لي، تعبير ادراكي للعالم من حولي، ابحث عن حلول شاعرية وممتعة متجاوزا حدود المنطق والمتاح، وتوظيف مفردة بيئية مألوفة تنبه الى ان ما أنتج هو من الواقع، وليس من الخيال، الفن الجيد لا يمكن حصره في حرفة، انما تلعب الحرفة فيه دورا ثانويا».
قدم الامسية الصحفي عدنان احمد حسين وقال: الفنان جلال علوان درس في العراق وانتقل الى عمان ثم هولندا والان في بريطانيا. في هولندا عاش في مدينة بريدا. اختير من بين عدة فنانين لينجز عملا يوضع كأثر في تلك المدينة، عمل تركيبي أطلق عليه اسم (بقرات ترعى)، وهو أحد المشاريع التي انجزها. سيكون العرض مقسما الى اجزاء يستعرض من خلالها عدة مشاريع منها البقرات، والاثاث، والفيديو ارت، والعباءة والمهاجرون.
الفنان جلال علوان لا يصنف عمله على انه مفاهيمي، لان المفاهيمية قد تطلق على اعمال محددة له، فهناك اعمال فيها مشاهد مسرحية، وتصوير، وفيديو ارت، وغيرها. الفن المفاهيمي ( (conceptuaيُسمى أحيانًا بالمذهب التصوري، اذ تشترك فيه المفاهيم والافكار في الأعمال التي يكون لها الأولوية على الاهتمامات المادية والجمالية التقليدية. وتُسمى أحيانًا بالأعمال المركبة، وكان هذا الأسلوب من الأساليب الأساسية التي استعملها الفنان الأميركي سول لويت.
فالعمل تعلو فيه الفكرة على العمل الفني ذاته، لتُصبح العملية الإبداعية مثل الفلسفة، يُحددها الجدل ووضع التساؤلات بشأن وظيفة الفن وعلاقته بالمشاهد، ونتج عن ذلك توظيف المدرك البصري بالتناغم مع شتى الحواس الأخرى من سمع وعمل عقلي وحركي.
حضر الامسية جمهور غفير وجرى عرض اعمال جلال علوان، من خلال افلام وصور، جعلها الفنان على مراحل مثل موضوع القربان، وهي اعمال استعمل فيها الفنان صورته، ليضعها بواسطة برنامج الفوتوشوب على عدة اعمال اختارها من صور لفرق او مشاهد اعدام، والصورة الشهيرة لقتل احد الثوار الفيتناميين، وغيرها، للتعبير عن حالة القتل الجماعي والفردي الذي يمارس في كل العصور والمراحل، ضد الانسان البريء غير المسلح، ثم مشروع العباءة ومشروع المهاجر والمواطن، ومجموعة الاعمال التي استعمل فيها الأثاث، من سرير الى كراسي، عبّر من خلالها عن محنة الانسان العراقي وهجرته المتواصلة وعدم استقراره.
حسب رؤيتي لها، فقد جعل السرير عليه صخور واحجار كما لو انه اراد ان يثبته على الأرض، احتجاجا على التنقل والهجرة المتواصلة التي حرمت المغترب من الاحساس بالاستقرار والتلاؤم مع البيئة او الاحساس بالأمان.
لكنه في حديث جانبي قال: ان اعماله التي اختار فيها السرير وفوقه مجموعة احجار أو مربوط بحجر كبير وغيرها انما هي للتعبير عن حالة القلق والارق الذي يعاني منه، اضافة الى ما يوحي به السرير من علاقة بين اثنين.
وفي حوار معه لإحدى الصحف العربية قال «الانتقال المتكرر أربك عندي أحاسيس الحنين، والامتلاك والانتماء، وأشعر وكأنني يتيم البيئة، لذلك وجدت نفسي متأرجحا بين الواقع بكل تعثراته والخيال بكل تأملاته، الواقع المتمثل بمفهوم الاستغناء والرحيل والفناء، والحلم المتمثل بمفهوم الخلود، والتشبث والاستقرار.
«كانت هنالك محطات في حياتي أرغمتني على تبديل أثاث منزلي. في بداية العشرينيات من عمري، اعتقلت في (معتقل أمن بغداد)، حيث أتلف رجال الأمن وسرقوا الكثير من أثاث منزلنا، وضاع معه كثير من الذكريات الشخصية والعائلية، ثم تركت العراق إلى عمان ومنها إلى هولندا، الدولة التي منحتني الجنسية، ولكنها لم تمنحني الاستقرار، على الرغم من المدة الطويلة التي قضيتها هناك. ثم محطتي الأخيرة لندن».
يقول ان للأثاث طاقة تعبيرية، «قطع الاثاث كيانات وظيفية تقليدية خاملة، معرضة للفناء، لأنها معدة سلفا للاستهلاك، ولتحويلها الى كيانات نشطة وذات معنى، قمت بإجراء بعض التغييرات على قطع الاثاث من خلال عملية تفكيك الاشكال والمفاهيم والدلالات، من دون المساس بهويتها، واعادة تركيبها من جديد وفقا لاحتمالات تعبيرية جديدة.
وبما ان المتلقي يرى الفن حسب ثقافته ورؤياه ومشاعره، كان لجمهور المقهى الثقافي مداخلات وحوار مع الفنان للتوصل الى معرفة ما يخفيه الفن من افكار قد يصعب على البعض التوصل لها.