المسرح العراقي

(2)
المكان هو الشارع الرئيس لحي السلام ( الطوبجي) ، وعند ذلك الشارع الذي يمتاز بعرض مساحته ، هناك ( جزرة وسطية) تقوم فوقها مباشرة جدارية كبيرة تحمل صورة الرئيس العراقي السابق صدام حسين … وامام الصورة يقف جندي عراقي بملابس رثة وهو يترنح من تأثير السكر ، كان مخموراً الى حد عدم التركيز وعدم القدرة على الوقوف .. واضح على الجندي من هيأته وملابسه وملامح التعب التي نالت كل خلية من جسده ، إنه واحد من الاف الجنود الذين استطاعوا النجاة وتمكنوا من الوصول الى مناطق سكناهم بعد غزو الكويت وتدخل الاميركان واسلحتهم وطائراتهم لإخراج الجيش العراقي وإنهاء احتلاله ..
الجندي البسيط الذي بلغ به الاسى على نفسه حداً فضل فيه – بما بقي في جيبه من دراهم – إحتساء الخمرة بدلاً من وجبة طعام تغني جوعه ، كانت به حاجة لاتقاوم لإطفاء حزنه … وهكذا وهو يتمايل خاطب رئيسه قائلاً [ ليش سيدي كل سنتين أكو حرب ؟ خلي حروبك كل اربع سنين مثل كأس العالم !!] ، وتاريخ هذا المشهد الواقعي يعود كما هو واضح الى عام ( 1990) ، وكان العراق في عام (1980) قد خرج من الحرب مع ايران !! وعبارة الجندي تفصح عن فطنة بلاغية في إيصال مايدور في رأسه .. من يدري فربما كان ذلك المقاتل الحزين مهندساً او شاعراً او فناناً ، ولم يستطع احد التعرف على شخصيته بعد ان اقتربت منه مركبة مظللة و ( اشبعته ) ضرباً افقده نشوة الخمرة!!
هذه الحادثة تلخص واحداً من اهم أسباب تردي الحياة ، والتردي الذي خيم على المسرح وعروضه وانهك فنانيه ، فمن حرب الثماني سنوات وابتكار مصطلح ( جبهات القتال) الى حرب خليج ثانية …وصولاً الى ماهو أسوأ من صوت الراجمات وقصف المدن .. إنه الحصار او الموت السريع للقيم والمبادئ ، وانتعاش الجوع والسرقات …غير ان اعظم تلك الانتعاشات إيذاء تمثل بولادة (شعب) كفر بالأوطان والفكر والثقافة حتى صارت موشومة باللامبالاة ، تبدأ بالسخرية والضحك وعبور الحزن الى الأكثر سوء من الحزن .. فهل ننتظر بقاء مسرح بأية صفة من صفات المسرح العراقي البهي .. وهل نستغرب ان ينشأ مسرح اطلق عليه البعض اسم (التجاري) ، مهمته اضحاك الجمهور بأكثر المفردات والنكات والحركات ابتذالاً …تلك هي القضية بأختصار …

حسن العاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة