الصباح الجديد ـ متابعة:
شكلت المطالبات والردود الخشنة التي تبادلتها جماعتا “هيئة تحرير الشام” و”جنود الشام”، وهما فصيلان مُسلحان راديكاليان في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، بشأن إخراج “جنود الشام” من نقاط تمركزها أو الانضمام إلى هيئة تحرير الشام، شكلت مناسبة للاعتقاد بأن صِداماً عسكرياً مُسلحاً بين الطرفين قد يندلع في الأفق المنظور، شبيه بالمواجهات الدموية الكثيرة التي تخوضها الفصائل المتطرفة من أجل النفوذ.
مصدر مطلع من داخل منطقة إدلب شمال شرق سوريا، أكد بأن هيئة تحرير الشام خيّرت تنظيم “جنود الشام” بين خيارين، فإما الانضواء في صفوف الهيئة، والعمل ضمن هيكلياتها العسكرية، وتالياً التقيد بقراراتها وتوجهاتها في تلك المناطق، أو إخلاء المقرات والنقاط العسكرية التابعة لها في منطقتي الساحل السوري و”سهل الغاب”، الأمر الذي رفضه تنظيم “جنود الشام” عبر تسجيل مصور لأحد المقربين منه، متهماً الحركة بمحاولة “كسر شوكة التنظيم”.
وتعتبر هيئة تحرير الشام نفسها الجهة الأقوى في مناطق شمال غرب سوريا، وأن باقية الفصائل الأصغر حجماً أنما سُمح لها بالنشاط والقِتال في بعض المناطق بحُكم ظروف المواجهة العسكرية.
والهيئة هي جماعة سلفية متشددة بالأساس، تكونت في أوائل العام 2017 من تحالف عدد من القوى العسكرية المتطابقة عقائدياً وسياسياً، مثل جبهة النصرة وأنصار الدين وجيش السُنة وحركة نور الدين الزنكي. لكن المراقبين وعدد من القوى العالمية ما يزالون يعتقدون بأن جميع هذه التسميات واشكال إعادة الهيكلة هي لتغطية النواة الصلبة للهيئة، التي هي جبهة النصرة، التنظيم السوري الذي يُعد امتداداً لتنظيم القاعدة الإرهابي، وكان يُعلن ولائه وارتباطه بهذا التنظيم حتى قبل سنوات قليلة.
أما تنظيم “جنود الشام” المُسلح، وإن كان مشابهاً لباقي التنظيمات المنضوية ضمن “هيئة تحرير الشام” السلفية المتشددة، والذي تأسيس في أوائل العام 2016، إلا أنه يمتاز بأن المكون القِتالي الأساسي ضمن صفوفه يتمثل بقرابة ألف مقاتل من الجنسيتين الشيشانية واللبنانية، بقيادة “أبو الوليد مسلم الشيشاني”. أي أنهم مطابقون للتنظيمات السلفية القتالية “الأجنبية” ضمن سوريا، مثل الجيش التركستاني والفصائل الطاجيكية. وتالياً فأنه واحد من التنظيمات المقاتلة التي تملك وحدة وعصبية داخلية، وهذا ما يشكل تحدياً بالنسبة لهيئة تحرير الشام، الساعية للهيمنة على باقي الفصائل في شمال غرب سوريا.
الكاتب والباحث في الشؤون الأمنية عمار شاهين بيك شرح “الأبعاد المالية” لهذه المواجهة المتوقعة بين التنظيمين السلفيين المسلحين “يُعتبر تنظيم جنود الشام من أكثر التنظيمات الإرهابية المقاتلة فقراً مادياً، وهو لا يتوقف عن طلب المساعدات من الفصائل الأخرى والقواعد الشعبية في مناطق تواجده.
إلا أن حساسية المناطق التي يتواجد فيها، بالذات منطقة سهل الغاب شمال غرب محافظة حماة، وما تعد به من موارد مالية وفيرة، هي النقطة الأساسية في اندفاعة هيئة تحرير الشام لتصفية التنظيم أو احتوائه”.
يضيف شاهيك بيك في حديثه “خلال الشهور الستة الماضية، كان واضحاً بأن روسيا تضغط لفتح ممرات تجارية بين مناطق سيطرة النِظام والمناطق التي تتواجد فيها الفصائل المسلحة شمال غرب البلاد، بما في ذلك السماح لتجارة الترانزيت بالمرور من تركيا عبر تلك المناطق إلى مناطق النظام، وذلك لتخفيف بعض الضغوط الاقتصادية التي تواجه الحكومة السورية.
ونقاط تنظيم جنود الشام في منطقة سهل الغاب، يدفع لأن يكون أكثر المستفيدين من هذه الفرصة، التي قد توفر له موارد مالية هائلة جراء الضرائب التي قد يفرضها على البضائع والتجار في نقاط العبور تلك، فهي تنظيمات تعلم بعقلية (قاطع الطريق)، مما قد يدفع لأن يكون تنظيماً أكثر قوة وقدرة، وهذا ما تعترض عليه هيئة تحرير الشام”.
إلا أن الهوية الشيشانية/الروسية قد تكون فاعلاً مهماً في الدفع نحو هذه المواجهة، فالعديد من المراقبين للمشهد السوري يعتقدون بأن تصفية هذا التنظيم هو أولوية قصوى بالنسبة لروسيا، وأن ذلك الأمر هو واحد من المطالب الدائمة من قِبلها لتركيا، خصوصاً أثناء “اجتماعات أستانة” التي تجمع البلدين بإيران. وتركيا قادرة وذات نفوذ واضح على “هيئة تحرير الشام”، وربما تكون دافعاً في ذلك الاتجاه.
ليس ثمة مجال للمقارنة في القوة العسكرية بين التنظيمين، إذ بالرغم من الروح القتالية والعقائدية الراديكالية العالية التي يتمتع بها مقاتلو تنظيم “جنود الشام”، إلا أن القدرات العددية والعسكرية لهيئة تحرير الشام تُقدر بعشرين ضعفاً على الأقل، حسبما يشرح الباحث سامي البياع في حديثه مع سكاي نيوز عربية “غير التفوق العسكري الكبير الذي تمتاز به الهيئة، فإن توجهها الراهن يُعتبر جزء من محاولتها لـ(تلميع صورتها) تجاه القوى الدولية، وذلك لنيل شرعية ما، وعدم تصنيفها كتنظيم إرهابي.