مسافة التدليل بين المتن والمبنى في رواية «الوقوف على ساق واحدة»

عبد علي حسن

تصطفُّ رواية ( الوقوف على ساق واحدة ) للقاص والروائي العراقي كريم حسن عاتي الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر / بيروت ط اولى 2021 ، إلى جانب العديد من الروايات العراقية التي كان موضوعها ومادتها السردية مستقاة من العلائق المتشابكة في المجتمع العراقي الريفي في زمن سيادة الإقطاع ، وقد تمكنت تلك الروايات من تقديم النماذج البشرية المكتنزة بمشاعر الوطنية والطبقية التي شكلت تراثاً ورموزاً يحتذى به في مقارعة قوى الظلم والاضطهاد. وإزاء هكذا تكريس لعوامل مقاومة النظام الإقطاعي الذي تمكنت من طرحه الروايات العراقية السابقة ماذا أضافت رواية (الوقوف على ساق واحدة) إلى مجمل ما قدمته الرواية العراقية بخصوص فترة حالكة من زمن المجتمع العراقي ؟ وهو ما سنحاول الإجابة عنه بعد قراءتنا للرواية.
امتلك العنوان (الوقوف على ساق واحدة ) دلالته المُؤجلة في حالة البحث عن علاقته بأحداث الرواية. وإذا أردنا تجريد العنوان من هذه العلاقة فإننا نتوصل إلى أن الدلالة تتعلق بواحدة من خصائص طائر الفلامنكو / الغرنوق الذي يفضّل العيش في مناطق المسطحات المائية كالأهوار ، وهذه الخصّيصة هي النوم واقفاً على ساق واحدة لإحداث عملية التوازن في جسده ليتمكن من النوم دون عائق فضلاً عن تحقيق الإيحاء بيقضته بالنسبة للكائنات الاخرى ، وبعد قراءتنا للرواية وجدنا أن هنالك تصريحاً مباشراً بدلالة العنوان ، وهو أن اسم زوجة (خشيّن ) هو ( غرنوكة) الاسم المؤنث للغرنوك , وإضافة لهذه الإحالة فإن غرنوكة هذه تكشف في حوار لها مع ابنها خزعل بأنها :– ( يمه أنا مثل الغرنوكة ، من تحرس توكف على رجل وحده ، وإذا نامت لو غفت إتطيح ، وإذا طاحت يكتلنها الطيور حد الموت ، يمه أنا واكفه سنين عمري كلها على رجل وحده ، خزعل يمه ….النص ص 130 ) فقد صبرت على استباحة جسدها من قبل الشيخ المحَفوظ ، ومذعنة بإكراه لهذا الاستغلال المشين مخافة أن يفتك بها وبزوجها وابنها ، وبدون التصريح بدلالة الاسم وموقف غرنوكه لتمتّع العنوان بقوة الدلالة الإيحائية التي من الممكن أن يصل إليها المتلقي أثناء قراءته للرواية ، واكتشاف العلاقة الدلالية العنوان ومجريات الرواية وبدءاً لابد من الإشارة الى واقعية الأحداث والوقائع ، أعني أنها مفترضة ومتخيلة ولاوجود لها على ارض الواقع ، إلّا أنها ممكنة الوقوع ، وهذا ماتتّصف به الرواية الواقعية عموما . . يقوم المتن الحكائي للرواية على موضوعة الصراع في المجتمع الإقطاعي العراقي في اربعينيات القرن الماضي ، وكان هذا الصراع وفق ثلاثة مظاهر الأول معلن بين الشيوخ تحركّهُ مصالحَ الأطراف حول حيازة أكبر عدد من الأراضي ، حيث كان كل شيخ يسعى وبكلّ السبل لضمّ مساحات من الأراضي إلى ما يملك من أراضٍ وقلاع ، وغالباً ما تكون الغلبة في هذا الصراع للشيخ الذي يتمتع بنفوذ وسطوة اكبر بين الفلاحين وما يتمتع من دعم من قبل القصر الملكي وحضوته عند المحتل البريطاني ، كما حصل في صراع الشيخ ( المحَفوظ) وشيخ آل الازرك وغالباً ما تتدخل سلطة الاحتلال وإدارة المتصرفية في تخفيف حدّة هذا الصراع وانهائه لصالح تكريس قوة النظام الإقطاعي ، كما تخفّ حدّة هذا الصراع حين يظهر إلى السطح المظهر الثاني للصراع ، وهو المتمثل بانتفاضات الفلاحين ضد إجراءات القهر والاستلاب الإقطاعي كما حصل في انتفاضة فلاحي آل ازيرج في الجنوب العراقي وتحالف الشيوخ مع الحكومة الملكية وبدعم من سلطة الاحتلال البريطاني مما أدّى إلى قمع الانتفاضة ، إلّا أن هذا المظهر من الصراع لم يأخذ حيّزا كبيرا أو مهمّاً في المتن الحكائي للرواية ، وانما ذكر بشكل هامشي وسريع. ولعل الكاتب لم يضع في حيثيات كتابته واهتمامه هذا المظهر كبنية فاعلة أو مركزية في طبيعة الصراع بين الأطراف لاعتقاده بأن عديد الروايات العراقية قد عالجت هذا المظهر فضلاً عن اهتمامه بتشكيل حكاية مركزية ، أما ما أحاط بهذه الحكاية المركزية من مظاهر الصراع الأخرى فقد كان محض بنى تصعّدُ من مكونات الصراع الثالث ، وهو صراع خفي بين الشيخ ال(محَفوظ) وأحد عبيده (خشيّن) وولده (خزعل) فيما بعد ، على الرغم من عدم وجود تكافؤ بين طرفي الصراع ، فالمحَفوظ يمتلك الوسائل العديدة التي من شأنها مجابهة اي طرف يقف بوجهه ، لذلك فإن هذا المظهر من الصراع كان من طرف واحد ، فهو غير منظور وغير محسوس بالنسبة للشيخ ، وكذلك ل (خشين) الذي لم يكن سوى عبد من عبيد المحفوظ وحين كان يشعر بالإذلال وسوء المعاملة يصبّ جام غضبه على الفلاحين الذين يعصون أوامر الشيخ ، لذا فهو لا يملك سوى الإذعان للشيخ دون مقاومة أو مواجهة ، ولعل ابنه (خزعل) الصبي الذي شعر بالذلّة ليلة مشاهدة الشيخ وهو يضاجع امّهُ ، وتلقي الإهانة مرة أخرى من (زغير) الفلاح الذي تخلّف عن الحشر عند إقامة السد ، الذي أشار بالتلميح إلى العار الذي لحق بهم جراء العلاقة الغير شرعية والمشينة بين غرنوكة والمحفوظ ، فقد اصرّ خزعل على الانتقام في الوقت المناسب ، وحين سنحت فرصة مضاجعة إحدى زوجات الشيخ فقد استغلّها كردّ انتقامي لما كان يفعله الشيخ بأُمه ، وفي الثانية حين قام بوضع السمّ (الزهر) لكلب الشيخ وتسبب في موته ، الأمر الذي جعله الشيخ بمثابة الحطّ من كرامته وهيبته ، وحين عرف الشيخ أن من تسبّب في موت الكلب اعدّ العدة للعقاب الذي سيكون إخوته قتل خزعل ودفنه إلى جنب الكلب ، وأثناء مداهمة رجال الشيخ لصريفة (خشيّن) تحصل المواجهة المسلحة بين خزعل برصاصات قليلة ورجال الشيخ الذين قاموا بحرق الشريفة بمن فيها بعدما تبين لهم مقتل الشيخ المحَفوظ برصاصة من خزعل.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة