فنان مغربي يتحدى العنصرية.. ويكسر الصمت عن «الجسد الأسود»

الصباح الجديد – وكالات:

«المرآة الصامتة» العنوان الذي اختاره الفنان المغربي مبارك بوحشيشي لمعرضه الجديد برواق «أتولييه 21» بالدار البيضاء، والمتواصل منذ 23 مارس الماضي ويستمر إلى غاية 26 أبريل الجاري، ويقدم فيه 23 لوحة تشكيلية، بأحجام كبيرة ومتوسطة، وغالبيتها تضم بورتريهات لأجساد سوداء: نساء ورجال وأطفال، وأطراف من الجسم، بخلفيات صفراء على أوراق المطاط، تسلط الضوء على المعرض الذي ضج بالأسئلة المقلقة بشأن الجسد الأسود الحاضر الغائب وتمثله بالمغرب.
وعن الاشتغال على الجسد الأسود في لوحاته، يقول الفنان المغربي مبارك بوحشيشي إنه نابع من قناعته الأساسية بضرورة إماطة اللثام عن هذا الموضوع المسكوت عنه في المغرب، والتساؤل عن معنى أن تكون إنسانا أسودا اليوم بالمغرب، السؤال الذي راوده منذ زمان في بلدته «أقا» بإقليم طاطا جنوب المغرب، ابتدأه بمعرض عام 2015 بالرباط بعنوان «الأيادي السوداء» ثم معرض «ذاكرة المادة»، وهي المعارض التي تنبش في الجسد الأسود وفي تمثيلاته بالمجتمع المغربي.
ويضيف بوحشيشي: «نحن بحاجة إلى رسم صورنا، والابتعاد ما أمكن عن تلك الصور النمطية الكولونيالية التي قدمت الجسد الأسود بشكل فولكلوري فظيع، لهذا فأنا أحاول خلق هذه الصور، وأنطق بلسان مجموعة من الناس اللامرئيين، الذين يحسون بالغربة ولا معنى لمفاهيم تستعمل بكثرة مثل التسامح، ونحن ما زلنا لا نعرف كيف نعيش معا، ولا نعترف بمشكلاتنا الحقيقية، ولا ننظر إلى أنفسنا في المرآة. مازال المغاربة السود يعانون من «الخفاء»، ومازالوا غير حاضرين في الفضاء والنقاش العام، لا في السياسة ولا في التلفزيون، وهذا الأمر غير طبيعي، فهو يجردهم من ذواتهم، ويجعلهم عرضة للتمييز والعنصرية».
ويشير الفنان التشكيلي مبارك بوحشيشي إلى أن المعرض دعوة إلى العودة إلى الجذور الإفريقية وإلى هويتنا وتاريخنا، وعدم الانصياع للانموذج المتوسطي، الذي عمل بشكل كبير على نزع المغرب عن «إفريقيته» عبر تبييض تاريخه وهويته، مع العلم أن تاريخه يحبل بشخصيات مهمة ذات بشرة سوداء، من مثل أمير الدولة المرابطية يوسف بن تاشفين، والسلطان مولاي إسماعيل سليل الأسرة العلوية، وآخرين.
ولأنه اتخذ من التشكيل مادة للترافع عن الجسد الأسود، فقد جعل من المادة المستعملة في لوحاته أيضا، زاوية للبحث والاستنطاق، ألا وهي المطاط، الذي يستخرج من إفريقيا، ويصنع في أوروبا، شأنه شأن الكثير من المواد، مثل القهوة والشوكولا المستخرجة من الكاكاو، ويقول إن تلك المواد كلها ذات أصول إفريقية، ولكنها بفعل الهيمنة يتم تبييضها، ولهذا اختار أن يستعمل أوراق المطاط الصفراء كخلفية للوحاته، لأن هذا اللون «يمكن أن يحذرنا من شيء ما، ومن الصور النمطية ومن التعليب المركب لماركة بانانيا، وكل الأشكال والصور التي قدم من خلالها الجسد الأسود، واستغل فيها أبشع استغلال».
ويؤكد بوحشيشي أن المادة التي استعملها في معرضه جاءت للتنديد بتلك الصور النمطية التي قدم بها الجسد الإفريقي الأسود، والرد على تلك الكليشيهات الكولونيالية عبر تقديم صور جديدة يحضر فيها التعدد الإثني والغني الذي يميز المغرب، والذي عايشه منذ صغره، من «أقا» موطن الرأس إلى «تاحناوت» حيث يُدرس الفن ويعمل الآن، وتكسير الصمت المحيط بالجسد الأسود، الذي اختار له خلفية صفراء من المطاط التي تلقي الكثير من الضوء على سواد البشرة، بهدف «مساءلة نظرتنا له، وحمولتنا الثقافية لهذا الجسد الذي أريد له في وقت من الأوقات أن يغيب أو يُغيب، لغاية طمس أحد عناصر هويتنا الجماعية المتعددة. ولهذا فأنا أتساءل من خلال معرضي: كيف يمكن أن نقدم (إفريقيتنا) أو انتماءنا الإفريقي اليوم؟ وكيف يمكن تجاوز هذه الإفريقية المرتبطة باللون؟».
وقد كان هذا الهاجس والبعد الإفريقي حاضرين أيضا لديه في كتاب جماعي بعنوان «الأفارقة»، الذي صدر عام 2016 ويشير إلى أن الكتاب يتحدث عن الخفاء، وعن تغييب الحضور، وفيه تم الإعلان أن «الهوية الإفريقية لا تتمحور فقط بشأن لون البشرة، بل تتجاوز هذا التعريف الشكلي، وأن علينا أن نعمل جميعا، ومعاً، على إعادة تحديد وتعريف هذه الهوية».
وتجدر الإشارة إلى أن الفنان مبارك بوحشيشي، من مواليد مدينة أقا (إقليم طاطا جنوب المغرب) سنة 1975، حاصل على الباكالوريا في الفنون التشكيلية، وقام بتدريس مادة الفنون التشكيلية منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي بكل من تزنيت وتاحناوت، ساهم في معارض جماعية وبينالات بالمغرب والخارج، من بينها بينالي الفن الإفريقي المعاصر بدمار عام 2018، ومتحف الحضارات بأوروبا والبحر الأبيض المتوسط عام 2017.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة