عندما يسرق الزمن آثارنا!

سلام مكي

ليس هنالك تاريخ قديم أو حديث، مثل تاريخ العراق، يضج بالحضارات والدويلات والدول والممالك والامبراطوريات التي ساهمت وأسست لحضارة انسانية، كانت نواة للعديد من الحضارات التي جاءت بعدها. ولا تكاد مدينة أو قرية في العراق، تخلو من تل أثري، أو مدينة أثرية كاملة، أو أطلال أو حجارة أو قطع أثرية، خبأها الزمن داخل التربة، ولازالت هناك، تنتظر من يطلق سراحها لتحدث العالم عن تاريخ، صنع مجد الانسان الأول.. ولعل محافظة بابل، أحد المحافظات التي تزخر بالمواقع الأثرية التي كانت تمثل مركز حضارات وقيم حضارية وإنسانية سامية، تتمنى الدول امتلاك 10% من الأحجار والأطلال التي تمتلكها بابل، لتجعل منها صروحا سياحية وأماكن للتنقيب والتقليب بين ترابها، للكشف عن ماهية الحضارة التي قامت على أرضها، ولتكشف للعالم سر بابل القديمة التي كانت مركز الكون كله، والتي لازالت الأحداث التي صاغتها بابل، يتردد صداها لغاية اليوم، ولازالت آثار تلك الأحداث شاخصة للعيان، لتقول للعالم بأن هذه الأرض سليلة حضارة لا مثيل لها. ولعل السبي البابلي أصدق مثال على ما نقول، فآثاره لازالت موجودة، رغم مرور آلاف السنين.. ما يؤسف له أن كل تلك الآثار والمواقع، مهملة، تعاني تجاهلا مريبا من قبل السلطات المعنية، وهو ما يؤشر على وجود خلل في البنية الذهنية لدى السلطة والقائمين على الثقافة والسياحة والآثار!

ورغم مجيء وزير للثقافة مختص بالآثار، إلا أن الوضع بقي على ما هو عليه، حيث تعاني كل المواقع الأثرية من الاهمال والتردي في كل المجالات، مما سمح بترك ثروات البلد الثقافية والتاريخية عرضة للعوامل الجوية والسرقة والتلف.. صحيح أن عمليات التنقيب غير القانونية قليلة وسرقة الآثار محدودة، لكن هنالك سرقة من نوع آخر، هو الاهمال الحكومي! الذي أدى إلى سرقة الآثار من قبل الزمن والظروف الجوية التي كلما تقدم الوقت والزمن، كلما ازدادت قساوتها على تراثنا، حيث بقاء الآثار فترة طويلة من الزمن، وفي مكان قريب من سطح الأرض، يعني تعرضها لقسوة الطبيعة. وكم أزاح المطر وحررت السيول قطع فخارية وأواني تعود إلى عصور قديمة، بسبب قربها من الأرض. فهل سنشهد يوما، حملة حقيقية، تسبقها رغبة لدى القائمين على الآثار، لغرض إيقاف سرقة الزمن لتراثنا وآثارنا؟

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة