من ذكرياتي مع الامام الحكيم

حسين الصدر

-1-

الامام الراحل اية الله العظمى السيد محسن الحكيم المتوفى سنة 1390هـ/1970م كان من أعظم المراجع في تاريخ المرجعيات الدينية العليا فكتابه الشهير ( مستمسك العروة الوثقى) – وهو موسوعة مهمة في الفقه الاستدلالي – مكنّه مِنْ أنْ يكون الفقيه البارز الذي لن يستطيع احدٌ أنْ ينال من مكانته العلمية الشامخة وكان – رضوان الله عليه – يملك كُلَّ مؤهلات الزعامة، وكان له تاريخه الجهادي الناصع حيث شارك مع الفقيه المجاهد المرحوم آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحبوبي في عمليات التصدي للغزو البريطاني للعراق .

وكان يتمتع بذاكرة قويّة للغاية ، فلقد زرتُه ذاتَ مرة فأخرج رسالة كانت قد وصلته من بعض الشباب في الكاظمية يطلبون منه ان يأمر بارسال كُتب الى مكتبتهم العامة المسماة بـ ( مكتبة الامام زين العابدين ) والتي كانت في أحد مساجد الكاظمية

وسألني : عن المكتبة المذكورة ليعرف مَنْ هم رودُاها ، وما هي مستوياتهم الفكرية والثقافية ليبعث اليهم بالكتب التي تناسبهم ..

وتتجلى العظمة في انّ اعباء المرجعية الدينية العليا لم تُشْغِلْهُ عن الاهتمام برسالة يبعثها بعض أبنائه، ويحرص على تلبية رغبتهم انطلاقاً من حرصه على النهوض بالمستوى العلمي والفكري والروحي لابناء العراق .

وتلك هي من أبرز صفاته الأبوية التي جعلته موئِلاً للأمة ترجع اليه حتى في شؤونها الاجتماعية والثقافية فضلاً عن أمورها الدينية .

لقد كان بابُهُ مفتوحاً للوافدين ، وكان يجلس لاستقبال الناس قبل الظهر في كل يوم .

ولم يكن ثمة مَنْ يمنع أحداً من الوصول اليه ومفاتَحَتِهِ بما يريد …

نعم

لقد كان صِلَتُه بالجماهير العراقية قويّة للغاية حيث لم يحتجب عنها على الاطلاق الاّ بعد ان انتهكت الطغمةالعفلقية الحاقدة كل القيم والحرمات فهجمت على غرفة نومه بحجة البحث عن ولده الشهيد العلامة السيد مهدي الحكيم الذي اتَهمَتْهُ بأبشع التهم .

كان ذلك في عام 1969 حين نزل ضيفاً على المرحوم الحاج عباس السلمان في منزله الكائن بالقرب من ساحة عبد المحسن الكاظمي في الكاظمية .

ولقد اضطر الى الرجوع الى النجف الأشرف واعتكف في منزله في الكوفة احتجاجا على السلطة الغاشمة .

ولقد كانت معاناتُه مريرةً للغاية، وتدهورت معها أوضاعُه الصحيّة فاضطر الى التوجه الى لندن للعلاج وحين عاد أُدخل في مستشفى (ابن سينا) ببغداد

ولقد زُرتُه في المستشفى المذكور ضمن مَنْ زارَه ، وأنشدته مقطوعة شعرية من أبياتها :

مِلءُ بُرْدَيكَ أيّها القائد الفذّ

شموخٌ وحِكْمَةٌ وسدادُ

ومزاياك – وهي كالانجم الزهر

سُطوعا- لم يُحصها تَعْدادُ

ولقد بّؤَأتْكَ أعلى ذُراها

وكفاكَ الجهادُ والاجتهادُ

وتفاءلتُ بِشفائه فقلتُ :

)بشفاءِ الحكيمِ يُشفى العِبادُ (

فبكى

ثم أمر أحد انجاله وهو الشهيد المرحوم العلاّمة السيد محمد حسين الحكيم أنْ ياخذ الورقة احتراماً وتقديراً .

ولم يُمْهِلْهُ المرضُ طويلا فلبْى نداء ربه في بغداد ورحل الى جنات الخلود.

-2-

وقد شيّعتْه الجماهير العراقية تشييعاً مهيباً من الصحن الكاظمي الشريف الى بغداد فالنجف الاشرف، وكنتُ ممن شارك في التشييع بصحبة الامام الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر – قُدّس سِرُّه –

وفي الصحن الكاظمي الشريف كتبتُ عدة أبيات شعرية ليرددها المشيعون، منها ما ذكره الباحث الموسوعي المرحوم الدكتور جودت القزويني في الجزء الخامس من الروض الخميل ص 203 فقال :

وكان علماء الحوزة العلمية وطلابها منقسمين في مجموعتين  الاولى منهما تردد هذا البيت بطور مرّجع :

أمة أيْتَمْتَها قد فُجعتْ

بأبيها القائدِ الفذِّ ( الحكيمْ(

وتردد المجموعة الثانية بيتاً أخر :

يا لَهَا مِنْ نكبةٍ فادِحَةٍ

جَعلتْ كلّ فؤادٍ كالهشيمْ

ولقد كتبتُ تاريخا شعريا لوفاته فقلت :

سيفُ المنايا مُرهفِ الحدِّ

يُردي ولا نقوى على الرَدِّ

بَعَثَ الاسى فينا وفجّرَها

ناراً تضّجُ بلاهبِ الوجدِ

فَمُصِيبةُ الاسلامِ قد عَظُمَتْ

بزعيمِهِ وحكيمهِ الفردِ

والأمة الثكلى به فُجِعَتْ

وعزاؤها لإمامِها  المهدي

وغدت تؤبنُه مؤرخةً

)مَثْوى الحكيمٍ بجنّة الخلد (

1390 هـ

رحم الله الفقيد العظيم فقيد الامة ونائب الائمة الامام المحسن الحكيم ورحم الماضين من مراجعنا الاعلام وحفظ الباقين وصانهم من طوارئ الايام .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة