كاظم مرشد السلوم
واحدة من فضائل المهرجانات السينمائية المهمة، هي توفرها على أفلام من دول قد لا نشاهدها دائماً، مهرجان الجونة السينمائي وفر في دورته الأولى مجموعة من هذه الأفلام، منها الفلم البنغلادشي « لا فراش للورد» للمخرج مصطفى سروار فاروكي.
« يسمح الله للناس بالموت عندما يتوقف الحوار بينهم وبين العالم وبين من يحبون؟
هذه الجملة تقول ما أراد فاروكي قوله في فلمه، هي اشبه بجملة فلسفية، تبحث في العلاقات الإنسانية، في البدء تسرد كاميرا فاروكي اجمل ما في طبيعة بنغلادش من مناظر خلابة، لتنتقل الى مسكن « جافد « بطل الفلم ومحوره الأساسي، قام بدوره الممثل عرفان خان، مسكن يدل على الثراء، لكن ينقصه شيء مهم.
هذا الشيء المهم هو التواصل بين افراد العائلة وبين الاب والام تحديدا،ً برودة العلاقة، الابتعاد عن بعض، قلة الحوار، في نزهة يقوم الزوجان بها، تقول الزوجة « وكأن لا حاضر لنا « هذه الجملة تعبر عن مدى البرود الذي أصاب العلاقة بينهما، فقط الابنة « صابري « وأبنه « أهير « هما اللذان تربطهما علاقة جيدة مع الاثنين، في النهاية ماذا يمكن ان يؤدي ذلك، هذا هو السؤال الذي يتبادر الى الذهن.
الفلم مأخوذ من قصة حقيقية أثارت في وقتها ضجة في بنغلادش، حيث تنشر الصحف خبرا يقول ان المخرج « جافد حسن « يرتبط بعلاقة عاطفية بصديقة ابنته ، وبرغم ان الخبر عارٍ عن الصحة ، لكنه يثير في نفس « جافد « رغبة كامنة وأيحاء لتنفيذها ، فيقوم بعمل علاقة مع صديقة ابنته ، ولتزوجها فيما بعد ، ضارباً بعرض الحائط كل الاعتراضات، خصوصا من قبل ابنته وزوجته ، لتقاطعه الاثنتان فيما بعد، حتى خبر موته لا يؤثر في الأم كثيرا، وكأن زوجها مات قبل سنوات وليس الان، الابنة تؤكد ان صديقتها سابقا « نينو « وزوجة ابيها فيما بعد كانت تزاحمها على الدوام في كل شيء، لذلك جاء زواجها من أبيها ضمن سياق هذا التنافس واستحواذها على كل شيء فيما بعد .
الفلم لا يحمل شيئاً جديداً على مستوى الحكاية، بل هي حكاية يمكن ان تحصل كل يوم وفي أماكن مختلفة من العالم، لكن « جملة « الله يسمح للناس بالموت عندما يتوقف الحوار بينهم، وبين العالم وبين من يحبون « تتيح للمشاهد ان يتأمل في ما أراد النص البصري قوله ، موت الاب يأتي تأكيدا لهذه الجملة، كم من العائلات لا يتحدث افرادها لمدة طويلة، كم من علاقة زوجية قاد برودها الى انتهائها وفشلها ، ليتحمل الأولاد نتيجة ذلك، ما هي عواقب هذا الفشل، هل يمكن للعلاقة الجديدة ان تعوض العلاقة التي تهدمت، كيف يمكن ان نعمل على عدم التفريط بالعلاقات الاسرية ، وحماية مستقبل الأبناء ، سيل من الأسئلة لا يطرحها الفلم مباشرة ، لكن يمكن للمتلقى ان يطرحها على نفسه .
الاب أراد الابتعاد بعيداً، حتى يقترب من نفسه، لكنه يفشل وبالتالي ليواجه الموت المفاجئ، بسب كم الكآبة الهائل الذي يصيبه.
الممثل عرفان خان أدى دوره براعة كبيرة، ساعده في ذلك تقاطيع وجه التي عرف كيف يوظفها لتتلاءم ودور الرجل الحزين والمركب، فيما رسم المخرج فاروكي لوحات تشكيلية غاية في الجمال، أخرجت المشاهد بين فترة وأخرى من جو الكأبة التي ملأت مساحة واسعة من الفلم.
سينما بنغلادش لا تبتعد كثيراً عن خط سير السينما الهندية، حيث معظم الأفلام تحاول مداعبة رغبات الناس الفقراء، لتنتج أفلاماً تجعلهم يحلمون بمستقبل افضل، قد يتحقق مصادفة من خلال علاقة بين فتى فقير وفتاة غنية او العكس، لكنها تنتج بين الحين والحين الأخر أفلاماً مهمة، مثل فلم فاروكي « لا فراش للورود».
كادر الفلم
سيناريو وإخراج _ مصطفى ساروفار فاروكي
تمثيل – عرفان خان ، نصرة امروز تيشا ، رهد حسين ، أشوك دانوكا
تصوير – شيخ راجيبوا اسلام
مونتاج – مؤمن بيسواس