مجرد تساؤلات وتأملات ..!!

حسين الصدر

-1-
في كتب الأدب والتاريخ حكايات حلوة وهي تشتمل على أدب رفيع ، ولكنهم – للاسف الشديد – لا يسمّون صاحب الموقف المتميّز والإثارات البارعة في بعض الأحيان .
وهنا يتم التساؤل عن السرّ الذي منعهم من تسميته على غرار القضايا الاخرى المنسوبة لأصحابها .
وأنا لا أسقط من الحساب احتمالاً قد يبدو غريباً ومستعبداً وهو انَّ هناك من يضع الأشعار ، وينشر الاخبار ، وينسبها الى ( أعرابيّ ) مثلاً وهي على غرار الشعر الذي وُضع ونسب الى العصر الجاهلي ..!!
وغالباً ما يتأنق الواضعون في صياغة هذه الاشعار والاخبار ويجعلونها مما تهفو اليها الأسماع .
انّ هناك طبقةً معيّنة كانت تنادم السلاطين والأمراء والولاة،والنديم بأمس الحاجة الى المُلح والنوادر واللقطات المبهجة وهذا ما دعا بعضهم الى الوضع وارسال الموضوعات وكأنها وقائع وأحداث لا تحتمل التشكيك…!!
-2-
ولن تتسع هذه المقالة الوجيزة الى استعراض المزيد من الشواهد والتماذج فنكتفي بمثالين فقط :
قالوا :
ان خالد بن عبد الله القسري – أمير العراقيْن مِنْ قِبَلِهشام بن عبد الملك – ” دخل عليه شاعر يوم جلوسه للشعراء ،
وقد مدحه ببيتين ،
فلما راى اتساع الشعراء في القول استصغر ما قال ، فسكت حتى انصرفوا ، فقال له خالد :
ما حاجتُك ؟
فقال :
مدحت الأمير ببيتين ، فلما سمعت قول الشعراء احتقرتُ بيتيَّ ،
فقال :
وما هما ؟
فأنشده :
تبرَّعْتَ لي بالجود حتى نعشتني
وأَعْطَيتَنِي حتى حَسِبْتْك تلْعَبُ
فأنتَ الندى وابنُ الندى وأبو الندى
حليفُ الندى ما للندى عنكَ مذَهْبُ
فقال :
ما حاجتك ؟
فقال :
عليّ ديَنْ ،
فأمر بقضائه وأعطاه مِثْله “
قد تكون هذه الحكاية صحيحة غير أنَّ الإعراض عن ذكر الشاعر المادح يُضعفها
وقد تكون ليست صحيحةً والغرض منها الاشادة بالممدوح توصلاً لنيل هباته وعطائه ..
وعلى كل حال : فان الحكاية جديرة بان يذكر صاحبها الشاعر ذلك انه :
1 – كشف عن نقد ذاتيّ مارسه الشاعر بحق نفسه واستهان ببيتَيْه ..!!
وهذا ما يذر وقوعه من قبل الشعراء
2 – لو كان قائل البيتين رجلاً مغموراً لما أُدخل مع الشعراء في الجلسة الخاصة
3 – والمهم أنَّ القسريّ تفاعل معه فأمر بأنْ يُدفع الدين عنه اولاً ، ثم قدّم له مكافأة بمقدار ذلك الدَيْن .
وهنا يبرز الجود العالي الذي أُريد أنْ يُثَبّت كصفةٍ لازمة للممدوح ..!!
راجع وفيات الاعيان / ج2 / ص227
ونُقل عن الاصمعي انه قال :
” دخل اعرابي على خالد القسري
فقال :
قد امتدحتك ببيتين ولست أنشدكهما ألاّ بعشرة آلاف درهم وخادم
قال :
قُلْ :
فأنشأ يقول :
لزمتَ ( نَعَمَ ) حتى كأنك لم تكن
سمعتَ من الأشياء شيئاً سوى نَعَمْ
وانكرتَ (لا) حتى كأنّك لم تكن
سمعتَ بها في سالفِ الدهرِ والأُمَمْ
فقال :
اعطه يا غلام عشرة آلاف درهم وخادماً فتسلمها “
وما يُضعف الحكاية عندي أنَّ هذا الاعرابي المجهول (….) أملى على الأمير ما أراد !!
وهذا مالا يصحح الاسراع الى قبوله ذلك أنَّ الاعرابي الطامع في نيل الجائزة من الحاكم لا يجرؤ على مخاطبته بلهجة الآمر الذي يحدد ما يريد.
وهكذا .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة