مكائد الشخصيات في رواية ” نيران ليست صديقتي “

ابراهيم سبتي الرواية عالم فسيح تصب فيه مختلف الافكار والرؤى والمفاهيم والحكايات ، لتنتج واقعا مؤطرا  بالخيال والحلم والرمز . وفي اغلب الاحيان تنطلق الرواية من حدث حقيقي عاشه الكاتب في حقبة ما من حياته ، فسجله ووثقه في اوراقه الروائية بمخيال  واسلوب خاص يجعله متأثرا بكل ما حرى . في كل توثيق نكتشف بأن الكاتب يستطيع البوح بكل اريحية في تسجيله للوقائع التي مرت به واثّرت في  خياله . لان الكتابة عن النفس ، هي كتابة لها معناها وغاياتها المؤطرة بإنسانية وتحمل مزايا عديدة تجعلها قريبة من الناس . في رواية ” نيران ليست صديقتي ” للروائي كاظم الشويلي ، ثمة بوح من نوع آخر تماما، ما جرى وما يجري في كل حقبة زمنية  ، هو يقول الاشياء التي مرت وعلى المتلقي ان يفهم القصد منها ويحلل خفاياها وما تحمله من الم وحزن واحيانا سعادة . فيسجل  نتاج تلك المكنونات المخزونة في صدره الغارق بالحكايات. يقول الكثير والكثير دون حواجز او عوائق او تعقيد في الروي ، لانه يعتبر ما يبوح به احد اهم الاحداث الحقيقية التي مرت به وهي المرموز الصادق الذي تتفرع منه الاحداث . لذا كانت الرواية خلطة موفقة بين الواقع الذي عاشه بكل حرقة والم وبين الواقع الاخر الذي اكتشف انه واقع مأساوي وشديد القسوة ولا يقل عن ذاك الواقع الحزين والمؤلم الذي عاشه . في البداية يأخذنا الروائي الى فيض المحبة والجمال و عطر الحياة والعشق الالهي الذي ليس له حدود ومن ثم يتجه بنا الى حيث الحياة القاسية التي لا يمكن ان يتحملها أي انسان لقسوتها  والمعاناة التي يكتوي بنارها .فيتباصر مع نفسه ودواخله ويميط اللثام عن كثير من الاحداث التي هزته كانسان . فنلاحظ انه يظل يسعى لتأطير علاقاته بالحب والمودة لكنه يصطدم بان في هذا الواقع الكثير من الزيف والخيانة القاتلة . نيران الفتاة التي اعتبرها الكاتب هبة ربانية ، تتحول في نظره الى كائن  اخر تماما حين ترتكب جريمتها البشعة بالإخبار عن زوجها نكاية به لأنه متزوج من ثانية . ونجد انها تخاطب الشخصية المحورية في الرواية  وهو الكاتب كاظم عن  روايته الجديدة . ثمة تناقض واضح بين تصرفها الانساني الغائر في الاعماق وهي تتكلم معه عن روايته ، وبين القبح الذي اصطبغت فيه بخيانتها . يوضح الكاتب ان الانسان لا يمكن ان يكون ملاكا الى الابد وخاصة ان صدّقنا افعاله التي تنضج  غدرا مستترا . الشخصية المحورية تتعلم ان تمسك بخيوط ثقافتها الاولى في الاسر وهي من اصعب الفترات التي تتهاوى فيها اية عزيمة ، لكننا نجده هنا يشق طريقه في المكتبة وينهل من كتبها عندما يطلب مفتاحها من الشيخ صالح . هنا تكمن بدايات تكون مفاهيم الثقافة الاولى وهو يلتهم الكتاب تلو الكتاب في زمن صعب ، زمن  لا يحتسب من عمره اصلا .  هذا الزمن الذي استثمره في بنائه الفكري والادبي ليكون كاتبا . يسرد الروائي ايامه في الاسر بكل صدق وهي مكتوبة بطريقة تسلب اعجاب المتلقي لكونها تخرج من القلب الذي عاش المرارة والخسران . الا ان “كاظم” الشخصية الروائية قد يكون هو كاظم كاتب الرواية ،فيتوقف المتلقي امام  فكرة المقارنة بينهما مع ان كل الدلائل تشير الى ان كاتب الرواية هو الشخصية المحورية في العمل فلا تشابك في المعنى ولا تشكيك . من هنا نكون امام رواية مكتوبة بطريقة خاصة ، طريقة اسقاط الواقع ومجرياته الشخصية على الاحداث وهذا ينتمي الى خانة الكتابة الشخصية التي برع فيها كتاب من كل الفئات في العالم . هي تسجيل لوقائع درامية ولكنها لا تصنف كمذكرات خالية من الروح . اعتقد بان الروائي كاظم الشويلي افصح عن مكنوناته المنتجة من احداث جمعها بعناية واطرها بمعالجة روائية  انتجت رواية سلسلة خالية من التفرعات والتعقيد وموغلة في الحس الانساني  ومعالجة بطريقة  مؤثرة تجعلنا نتأمل كاظم في الرواية الذي ينضح طيبة وانسانية وهو يتعامل مع الاخرين ان كانوا  هم الاسرى انفسهم او من اصدقائه في واقعه الاخر او زوجته او الفتاة ومكائدها التي حركت مشاعره  وهي التي ندم على تصرفها الاهوج الذي قلب موازينه  . فيكون التحدي الاكبر حين تتصارع في نفسه الافكار وتتقاذفها الخسارات التي مني بها وهو يستجمع خيوط عالمه بين زوجته وبين نيران وبين كل من عرفهم . انها طبيعة الانسان وهو يكتشف متاخرا كم كان قلبه صافيا معافى وهو يحكم على الاخرين ومنهم نيران . في رواية ” نيران ليست صديقتي ” تكون الشخصيات هي المؤثرة على الفعل الحكائي وهي المحركة له ، فبنى كاظم الشويلي عالما من الشخصيات  بطريقة ردود افعالها . فصار لكل واحد منها ردة فعله الخاصة وهو بالتالي جزء من البناء الروائي بأكمله وهذا ما يجعلها رواية تستحق التأمل كثيرا .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة