المتوسّط تطلق مشروع الحلم: إعادة إنتاج “الكوميديا الإلهية” عربياً

تبدأ منشورات المتوسط العمل على إعادة إنتاج ترجمة حسن عثمان لكتاب “الكوميديا الإلهية” لـ دانتي أليغييري، حيث كلَّفت لجنة علمية من كبار الأكاديميين والمترجمين المتخصصين في ترجمة ونقل التراث بين اللغتين الإيطالية والعربية، ببدء العمل على المشروع.

تأتي هذه الخطوة لإعادة إحياء رائعة دانتي أليغييري عربياً، والتي شكَّلت فجر عصر النهضة الأوروبي، ولم تفقد ألقها وتأثيرها المستمرّ في أجيالٍ متعاقبة من الأدباء والمفكّرين والفنّانين الذين أغنوا مرجعياتهم الفنية واللغوية بقراءة هذا العمل الفريد، في لغاتٍ لا حصر لها عبر العالم، وبترجماتٍ عدَّة في اللُّغة الواحدة.

لعلَّ الاهتمام العربي الذي بدأ منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر بـ الكوميديا الإلهية، أفرزَ فيما بعد أكثر من ترجمة واحدة للعمل، أضافت كلها إضاءات جوهرية وهامة على العمل الأدبي الأهم في تاريخ الأدب الإيطالي إن لم يكن العالمي. لكن من بين هذه الترجمات كلها، تظل ترجمة حسن عثمان، المؤرخ وأستاذ التاريخ الإسلامي والأوروبي؛ هي الأكثر إغراءً والألمع وذلك لأسباب كثيرة. تفرَّغَ حسن عثمان لدراسة دانتي والكوميديا الإلهية خاصة لمدة 10 سنوات من سنة 1941 وحتى سنة 1951، حيث شرع بترجمة الكوميديا الإلهية والتي استغرقته ثماني سنوات أخرى. واصل خلالها السفر على نفقته الخاصة وتارة كانت “اليونيسكو” تغطي له بعض تلك النفقات، زار مصادر العلوم التي نهل منها دانتي، وتتبع آثار الشاعر وأسفاره، وعايش الأماكن التي عاش فيها، خاض في الفنون التشكيلية وفي الموسيقى لدراسة ذائقة دانتي الفنية والموسيقية. وإذا كان المختصون قد اختلفوا على المدة التي استغرقها دانتي في كتابة الكوميديا الإلهية، فمنهم من قال أربع عشرة سنة ومنهم من ذهب إلى اثنين وعشرين سنة، فنحن أكيدون بأن مترجمها إلى العربية استغرقته ثماني عشرة سنة. وهذا ما لم يحدث في لغات أخرى حسب علمنا.

فحسن عثمان الباحث قبل أن يكون المترجم، هو من رواد منهج البحث التاريخي وكتابه المعنون بـ “منهج البحث التاريخي” يعد مرجعاً أساسياً في اختصاصه حتى أيامنا هذه، وقد تمكن بصدق من تطبيق هذا المنهج في اشتغاله على ترجمة الكتاب الذي يأتي تصنيفه الثاني بعد الكتاب المقدس غربياً وهو الكوميديا الإلهية. ولهذا السبب تجاوزت ترجمته للكوميديا الإلهية الترجمة بحد ذاتها، وجاءت النتيجة أننا أمام دراسة تاريخية شاملة لفترة حاسمة في تاريخ الفكر الإنساني وهي لحظة بزوغ عصر النهضة.

عليه، لا يأتي هذا المشروع احتفاء بدانتي وبالكوميديا الإلهية فحسب، بل أيضاً، بهذا المترجم الاستثناء ليس عربياً فقط وإنما عالمياً، ولعلنا ننجح بتحقيق آماله التي زرعها في نهاية ترجمته للكوميديا الإلهية حين قال: «وبعدُ، فإني أؤمل أن يأتي من بعد مَنْ يدرس، ويرتحل، ويصبر، ويستوعب، ويتأمل، ويستلهم، ويمسك باليراع لكي يعبّر عن دانتي في صورة أوفى وأجمل!»
سيبدأ المشاركون العمل على الترجمة منذ الآن، حيث شُكلت لجنة علمية من مجموعة من ألمع المترجمين المتخصصين في ترجمة ونقل التراث بين اللغتين الإيطالية والعربية تساندها مجموعة من الأكاديميين المتخصصين في تاريخ القرون الوسطى وآدابه ولاهوته، وفي لغة دانتي والبلاغة الجديدة التي أسس لها، والآثار التي تركتها إلى اليوم على الآداب والفنون الغربية، وأخيراً في الأدب المقارن، حيث تتتبع آثار الثقافات الأخرى في الكوميديا الإلهية وآثارها العابرة للغات على الثقافات الأخرى. ستخرج هذه اللجنة بتصور مشترك حول ما ينبغي تقديمه من إضافة وتحديث على النص، مستندين على الدراسات الحديثة التي صدرت وتناولت الكوميديا الإلهية في السنوات الأخيرة. باختصار هم سوف يدرسون، ويرتحلون، ويصبرون، ويستوعبون، ويتأمَّلون، ويستلهمون، ويمسكون باليراع لكي يعبّروا عن ترجمة حسن عثمان في صورة أوفى وأجمل والتي بالتالي ستعكس صورة أجمل وأوفى لدانتي. تطلق إذن، منشورات المتوسط مشروعها هذا ونحن على بعد شهور قليلة من حلول الذكرى الـ700 لوفاة دانتي أليغييري، وتأمل الدار أن يرى مشروعها النور مع حلول ذكرى وفاة حسن عثمان الخمسين والتي ستحل في العام 2023.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة