على مر العصور هناك من ينسبون الى أنفسهم أقوالاً او افعالاً او مواقف لم تصدر عنهم ، وعادة ماتكون احاديثهم او ( حكاياتهم) ابنة الماضي وقد تغير الزمن وغاب الشهود … ويصعب استثناء اية مفردة حياتية عن قاموسهم ، فهم يتحدثون في الحب والعلاقات النسوية والكرم والبطولة ومساعدة الاخرين والثقافة والاطلاع والعلم والادب وفي كل شيء ، ولعل اكثر المفردات شيوعاً هي ( السياسة) حيث لا احد – كما ينبئنا التاريخ – اكثر انشغالاً من السياسيين في (تأليف) حكايات عن امجادهم ونضالهم وتضحياتهم … واغرب مافي في المشهد إن هؤلاء (النسابين) لاتصدر عنهم عبارة الا وهي موشومة بأغلظ الايمان بحيث تجعلك في احيان كثيرة تميل الى التصديق …
أذكر جيداً من ايام الدراسة الجامعية – لغة عربية – اسم الطالب (……) ، كان شاباً مذهلاً يتحدث في كل علم وكانه اختصاص ، وتميز حديثه بالقدرة العالية على التعبير والاقناع وايصال افكاره … كنا نسميه ( المثقف الموسوعي ) وقد هيأته تلك المواصفات الى ان يحظى بأعجاب (الطالبات ) اللواتي كن يتحلقن حوله في نادي الكلية ، وهو ما ـاثار غيرتنا قبل حسدنا ..
مرة كنت في حوار ثقافي معه ، ونقلت له اعجابي الكبير برواية الدون الهادئ لشولوخوف، وقلت له على ما اذكر : مع انها مطبوعة في اربعة اجزاء ، ولكنني كنتُ اتمنى لو صدرت بأربعين جزءاً … ماكدت انتهي حتى افاض في الكلام عن شولوخوف ، وذكر له اسماء ثلاث روايات غير مطبوعة الى العربية اهمها (قمر اسود) ، وان الناقد الروسي ( فلاديمير مندروف ) وصف الدون بانها اعظم عمل ادبي في تاريخ الرواية الحديثة!
مع بدء عام دراسي جديد ، ومع اول محاضرة في مادة النقد الادبي ، دخل القاعة استاذ لم نره من قبل ، وقد خصص محاضرته تلك للتعرف علينا بطريقة مبتكرة ، وهي ان يذكر كل واحد منا اسمه ثم يتحدث عن افضل كتاب قرأه…بدأنا نقدم انفسنا .. حتى اذا وصل الدور الى صاحبنا الموسوعي ذكر اسمه ثم راح ينقل للاستاذ تفاصيل الحوار الكامل بيني وبينه عن الدون الهادئ ، حتى اذا انتهى قال له المحاضر الدكتور علي جواد الطاهر رحمه الله [ انت متحدث رائع … ولكنني اود تصحيح بعض المعلومات ، حيث لاتوجد للكاتب ثلاث روايات غير مطبوعة الى العربية ، ولاتوجد رواية بأسم قمر اسود ، ولايوجد ناقد روسي بهذا الاسم وأكاد اجزم بانك لم تقرأ الدون ] ، ومن يومها توقف زميلنا عن ادعاءاته … وخلا مجلسه من الطالبات …
حسن العاني