اللحية في زمن كورونا!

 د. محمد فلحي

 من بين تحديات فايروس كورونا، ما زال فرض حظر الحلاقة يشغل الجميع، فأصبحت رؤوس البشر ولحاهم وشواربهم بلا تهذيب، ولو كان المرحوم الممثل الكوميدي سليم البصري على قيد الحياة لقدم حلقة جديدة من برنامجه التمثيلي(تحت موس الحلاق) تروي معاناة الناس في غياب الحلاقين، وربما زودنا بنصائح ثمينة بعنوان:(كيف تحلق شعرك بنفسك من دون مرآة أو مشط أو مقص)!؟

أحد السياسيين، كان يشرح لزائريه منجزاته، وهو بين يدي حلاقه المنزلي، وقد سأله أحدهم عن تقييمه لشخص مرشح لمنصب سياسي رفيع، فقال بمرارة: هذا  الأملط محيرني لا هو مشورب ونحسبه على البعثيين ولا هو من جماعة أبو سكسوكة، وليس ملتحياً ونحسبه من ربعنا!

 وقد ذكرني هذا التقييم السياسي حسب معيار اللحية، بأحد أصدقائي عندما همس في أذني عندما كنت مرشحاً للانتخابات النيابية الأخيرة: أنصحك طول لحيتك حتى لو سنتمتر واحد، وسوف تكون فرصتك أفضل!

   لحية الرجل وشاربه ملامح شخصية خالصة، لكنها تحولت، مع مرور الزمن، واختلاف التفسيرات، وتضارب وجهات النظر، إلى قضية خلافية، في ظل عملية سياسية توزع فيها المناصب وفق المحاصصة والفساد، بلا معايير علمية أو مهنية أو أخلاقية، وليس من العجيب أن تختصر شخصية المرشح في طول لحيته فقط!

 قضية اللحية ليست عراقية، فهي تكاد تكون دولية، فقد صنعت وسائل الإعلام صورة نمطية للّحية، وروجتها بطريقة سلبية، وفي بداية أحداث الربيع العربي قبل نحو عشرة أعوام كانت اللحية مثار جدل في وسائل الإعلام الغربية، فقد تعود الكثير من الشباب العرب على إطلاق لحاهم، بطريقة عفوية، وليس تعبيراً عن انتمائهم لتنظيم سياسي أو ديني معين، لكن القلق الغربي من الإسلام المتطرف أو ما يسمى “الإسلامو فوبيا” جعل بعض الدوائر السياسية الغربية تخشى من سيطرة المتطرفين الملتحين على مسار تلك الثورات، لكن اللحية، تظل أولاً وأخيراً، مثل الشارب وربطة العنق وغطاء الرأس، تُعدُّ مظهراً فردياً واختياراً شخصياً، وليست رمزاً سياسياً!

التاريخ الماضي والواقع المعاصر يشيران إلى علاقة ارتباط واضحة بين اللحية والتدين، ليس في ظل الدين الإسلامي فحسب، بل أن أغلب الديانات تعتبر إطالة اللحية مظهراً مقبولاً لطبقة رجال الدين، سواء اليهود أم المسيحيين أم المسلمين أم الهندوس أم السيخ وغيرهم، فاللحية قد تعني الوقار والزهد والحكمة، لكن المسألة لم تتحول إلى قضية سياسية إلا ضد المسلمين، من دون غيرهم!

   مرة حدثني أحد ضباط الأمن في نظام عربي بوليسي أن اللحية في قاموسهم الأمني تعني التطرف الديني أو السجل الإجرامي، ومن ثم فإنهم يعتبرونها علامة مميزة، يمكن أن تصبح تهمة وجريمة، ضد أي شخص يقع في قبضة رجال الخوف والإرهاب السلطوي.

في برلمان إحدى الدول الإسلامية كان يدور صراع بين العلمانيين والإسلاميين، فألقى رئيس البرلمان خطاباً بليغاً للتقريب بين الجانبين، وقال: لا فرق بين علماني وإسلامي، فكلنا أبناء وطن واحد، وإذا كان الفرق هو اللحية فقط، فإنني أدعو الأخوة العلمانيين لإطالة لحاهم قليلاً، وأدعو الأخوة الإسلاميين لتقصير لحاهم قليلاً، لكي يحصل التقارب ونحل هذه المشكلة!

وقد أجرت إحدى الجامعات الأميركية دراسة بشأن علاقة المظهر الشخصي، ومن ضمنه اللحية، بمستوى القبول الاجتماعي، فوجدت أن إهمال اللحية والحذاء يضيع الكثير من الفرص في الحياة والحب والاندماج الاجتماعي، وكانت المجموعة الملتحية، من عينة الدراسة، قد واجهت مواقف صعبة ومشكلات في الأسواق والمصارف والحافلات وغيرها من الأماكن العامة، وذلك لأن اللحية الطويلة تخفي ملامح الشخص، وتظهره بصورة غامضة ومخيفة أحياناً!

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة